كتاب نهاية السياسة و ولادة ديمقراطية الانترنت للبرلماني البريطاني المحافظ دوغلاس كارسويل يتنبئ فيه بنهاية النموذج الغربي التقليدي للديمقراطية. الكاتب دوغلاس كارسويل عضو في البرلمان البريطاني منذ عام 2005 وينتمي الى حزب المحافظين و يعتبر من الراديكاليين المعارضين للارتباط بالاتحاد الاوربي و من المؤيدين للامركزية بحيث يطالب بتقليص حجم الحكومة الى اقصى حد ممكن لصالح المجالس المحلية في المقاطعات البريطانية و لأفكار كارسويل صوت مسموع و قبول لا يستهان به في اوساط المنتمين لحزب المحافظين حيث يقول عمدة لندن المحافظ المشهور بوريس جونسون والمرشح بقوة لخلافة ديفيد كاميرون على رئاسة الحزب عن كتاب زميلة في حزب المحافظين: (انه وضع أصبعه على معضلة العصر في هذا الكتاب المذهل الذي كتبة صوت محافظ مجدد و مستقل). يجادل الكاتب ان المستقبل لم يعد يحتمل الحكومات الكبيرة المنتشرة الأن في معظم دول العالم ومن بينها الدول الديمقراطية الغربية وأن المستقبل هو للسوق الحر مع أقل قدر ممكن من تدخل الحكومة و أصغر حجم ممكن لها!! و هذا بفضل الثوره الرقمية.الكتاب لم يأتي بنظريات جديدة ولكنه استحضر ماأتى به العالم الإقتصادي الكبير فريدريك فون هايك وأنزلة على الواقع ليثبت صحتة. نظريات هايك الإقتصادية تلاقي قبولا قويا في وسط المحافظين وقد سبق ان وصفتة ثاتشر بنبي الرأسمالية في القرن العشرين و كانت ثاتشر تتخذ من نظريات هايك منهجا لها ومن رحم هذة النظريات خرج النهج الثاتشري الرأسمالي في الحكم و هو الداعم للسوق الحر و الذي تأثرت به العديد من دول العالم و من بينها السلطنة ومن ابرز ملامح هذا النهج الخصخصة. قد يكون الكاتب دوغلاس كارسويل و نظرا لميولة السياسية متطرفا في عداءة لتضخم الحكومة وبالنتيجة دولة الرفاة ولكن كتابة مليئ بالمعلومات والأرقام المثيرة حول الدول الغربية فهذة الأرقام والمؤشرات تأتي من شخص داخل في الوسط السياسي البريطاني وعضو الحزب الحاكم فيه و تستحق التأمل والتوقف عندها للتفكير فيها.
الديمقراطية و الحكومة المتضخمة
يقول الكاتب في المقدمة أن الغرب أفلس ماليا بسبب أن الديمقراطية الغربية التقليدية فشلت سياسيا ولم تعد آلياتها مجدية فالديمقراطية الغربية لم تلتزم منذ فتره ولعوامل عدة بجعل الحكومة صغيرة الى اقصى حد ممكن مما أدى الى تضخم النخب البيروقراطية وسيطرتها على البرلمان فالانتخابات لم تعد تقرر ما يجب على الحكومة فعله فكل الوعود الأنتخابية تنصهر أمام نيران الحكومة المتضخمة بقيادة البيروقراطيين و يرى الكاتب ان الانحدار في مستوى الاقبال على الانتخابات لم يعد مفاجئ فعدد الناس اليأسين من جدوى الانتخاب في ازدياد. يقول الكاتب في الفصل الأول والذي عنونه بالحكومة تستمر في التضخم ان الحكومات الغربية اليوم اضخم من الحكومات الماركسية و الدول الغربية الرأسمالية كالولايات المتحدة وبريطانيا وهي المتبعة لنهج السوق الحر تملك حكومات اكبر حجما من حكومة الاتحاد السوفيتي الشمولي!! يرى الكاتب ان هذا التضخم الحكومي ادى الى حصول المواطن البريطاني على خدمة رديئة من القطاع العام مقابل سعر أعلى مما يمكن ان يوفرة القطاع الخاص. فالأحتكار الذي تمارسة الحكومة في مجالات عملها يقتل حس المنافسة الموجود في السوق الحر وبالتالي يقلل من جودة الخدمة و يستحضر كارسويل قطاع التعليم في بريطانيا مثالا على ذالك ويقول ان عدد العاملين في وزارة التعليم يفوق عدد المعلمين أنفسهم مما ادى الى ان كلفة تشغيل قطاع التعليم الحكومي أعلى كلفة من تشغيل قطاع التعليم الخاص و أقل كفاءة منه !!!! يصر كارسويل انه كلما زاد حجم الحكومة كلما قل تحكم المواطنين بها من خلال الديمقراطية وهذا ماهو حاصل في الغرب فالهيئات الحكومية الغير منتخبة في الغرب لم تعد فقط خارج نطاق محاسبة البرلمانات فعليا بل انها تسيطر على الأخيرة لصالحها فرأس الحكومة و الوزراء وإن كانوا منتخبين يضطرون للخضوع لقوة هذة المؤسسات البيروقراطية العديدة الناتجة عن الحكومة المتضخمة مما يعني بالنتيجة خضوع حزب الأغلبية الذي ينتمي اليه رئيس الحكومة لنفس الضغوط على حساب رغبات الناخبين. كارسويل يشير الى ان دور البرلمانيين الفعلي تحول الى تزيين رغبات الحكومة للناخبين لا فرض رغبات الناخبين على الحكومة!!
أسباب تضخم الحكومات
في الفصل الثاني من الكتاب الذي عنونة دوغلاس كارسويل بهذا التساؤل: لماذا تتضخم الحكومة؟ يورد مسيرة تضخم الحكومات في الغرب و يرجع كارسويل للتاريخ ويذكر ان من اهم ادوار البرلمانيين قبل القرن التاسع عشر هو ابقاء الحكومة في أصغر حجم ممكن ولم تتضخم الحكومة الا في القرن العشرين نتيجة الافكار الاشتراكية التي انتشرت في بدايات القرن نتيجة الثورة الصناعية في القرن الذي سبقة وطالبت بتدخل الحكومة لصالح العمال ويشير كارسويل في هذا الفصل انه لا يمكن القاء اللوم على الديمقراطية التي لبت رغبات الجماهير بل على النخب التي تلاعبت بهذة الرغبات. ويرجع كارسويل مرة اخرى للتاريخ ويشير الى بروسيا التي كانت تملك نظاما انتخابيا يضمن نخبوية اعضاء المجلس التشريعي في القرن ال19 هي أول دولة تتبنى إصدار قوانين لصالح ماعرف لاحقا بدولة الرفاة عن طريق هذا المجلس النخبوي وبالتالي الحكومة المتضخمة هي نتاج النخب لا الجماهير وبذالك فالمطالبات بالمزيد من التدخل الحكومي لصالح الايدلوجيات المثالية اتت من الأعلى (النخب) لا من الأسفل (الجماهير)!! يصف كارسويل هذة النخب بالغرور على مختلف مشاربها ويستحضر اقوال المفكر الأقتصادي الكبير فريدرك هايك حولها حيث يعتقد هايك ان هذه النخب الرأسمالية او الشيوعية او غيرها عندما تجزم ان لديها خطط وتصاميم للسيطرة على السوق لصالح الشعب فهي واهمة حيث ان السوق تتحكم فيه رغبات ملايين البشر بشكل فردي التي لا يمكن لاحد ان يتنبئ بها وبالتالي يضع خطة للسيطرة عليها و يضيف الكاتب انه بتغيير نظام الضرائب من الضريبة على أساس الملكية الى الضريبة على أساس الدخل تمكنت الحكومة من إخفاء التكلفة الحقيقة لإدارتها ويورد موضحا مثالا على ذالك انه اذا جلس ثمانية اشخاص على طاولة مطعم وطلب منهم ان يتقاسموا الفاتورة بالتساوي من الارجح ان ترتفع هذة الفاتورة بالمقارنة بإذا ماطلب من كلا منهم دفع قيمة ماطلبة وهكذا الفرق بين ضريبة الملكية والدخل و من هنا كانت ضريبة الدخل الغير عادلة من وجهة نظر الكاتب وفردريك هايك من قبله هي الغطاء الرئيسي الأول المساعد في تضخم الحكومة و الغطاء الثاني يكمن السندات الحكومية التي سمحت المجالس التشريعية للحكومات بإصدارها دون الرجوع لها عدا في الولايات المتحدة التي مازالت الحكومة فيها في حاجة الى موافقة الكونغرس للإستدانة.يرى كارسويل ان امتلاك الحكومة لهذة القدرة على اصدار السندات وزيادة الدين العام امر كارثي تسبب فيما تعاني منه اوربا اليوم فبإصدار هذة السندات تقوم الحكومة بوضع ديون على ظهور المواطنين ولو بشكل غير مباشر لمصالحها قصيرة المدى. اما الغطاء الثالث لتضخم الحكومة هو قدرتها على التلاعب بالتضخم بعدما تم الاستغناء عن الذهب كمعيار لإصدار العملات بهذة الوسائل تمكنت الحكومات الغربية من التضخم ولهذة الوسائل الثلاث يعتقد كارسويل نتائج وخيمة الى جانب التضخم الحكومي نفسه.
موت السياسة التقليدية
عنون كارسويل الفصل الرابع من كتابة بموت السياسة حيث يعتقد ان الحكم الأن في يد النخب التكنوقراطية لا السياسيين المنتخبين ويرى كارسويل ان نتيجة لذالك بدأ الناس في الغرب بالعزوف عن ممارسة الحق الانتخابي كل سنة بنسبة اكبر من التي سبقتها فالإستطلاعات تظهر ان 20% من البريطانيين يعتقدون انه لافائدة من الانتخابات بالمقارنة مع 3% في الثمانينات والرقم مرشح للزيادة كما ان 26% فقط من البريطانيين يعتقدون ان البرلمانيين يعملون لصالح مجتمعاتهم!! ونسبة مقاربة تؤمن بصدق برلمانييها و4% من البريطانيين يعتقدون ان البرلمانيين يقدمون مصالح المجتمع على مصالحهم الشخصية !! كما ان الانتساب للاحزاب السياسية تراجع بشكل ملحوظ في كل اوربا وانخفض الى النصف في كل من اسبانيا والبرتغال!! ويلخص كارسويل وضع السياسيين اليوم واهتزاز الثقة فيهم ان السياسيين يدعون حكمنا ونحن (الناخبين) ندعي انتخابهم!! بينما السلطة الحقيقية في يد النخب البيروقراطية الغير منتخبة الناتجة عن تضخم الحكومة والتي انتجت الدولة الغير كفؤه وهذا عنوان الفصل الخامس.
عواقب الحكومة المتضخمة
يورد دوغلاس في الفصل الخامس من الكتاب عواقب تضخم الحكومة على المجتمع في شتى المجالات منها مثلا ان خمس البالغين البريطانيين يصنفون عمليا أميين لعدم تمكنهم من القراءة والكتابة بشكل صحيح!! وان اربعة مرضى يموتون يوميا في مستشفيات الحكومة نتيجة العطش وعدم الأهتمام في هذة المستشفيات الحكومية!! كل هذا يعزوة كارسويل لضخامة حجم الحكومة ومركزيتها التي تسبب نقص في التواصل وقلة مرونة وتلاعب بالمعلومات و غير ذالك من آفات المركزية حيث يقول الكاتب انه كلما زاد حجم المؤسسة الحكومية كلما كان المسؤولين فيها يعملون في عالم خيالي بعيد عن الواقع في الارض. فالصرف على قطاع الصحة في بريطانيا ارتفع في العقد الاخير بحوالي 5% ولكن فعالية القطاع وجودتة ارتفعت بنسبة 0.2% في نفس الفترة!! ويقارن هذا الامر بالذهاب الى البقالة واكتشاف ان فاتورتك ارتفعت الى ضعف الفاتورة المعتادة بينما لم تزد المشتريات الا بمقدار العشر. يجادل كارسويل ان هذة نتيجة الحكومات الضخمة فهي تطالب بالمزيد من الاموال مقابل قدر أقل من الخدمات وكفاءة أقل من القطاع الخاص.
أزمة الديون الأمريكية
ولم تتوقف عدم كفاءة الدولة ذات الحكومة المتضخمة على الجوانب الخدماتية كالتعليم والصحة وانما امتدت للجوانب الاقتصادية ايضا يقول كارسويل انه في الولايات المتحدة وبسبب ان البنوك تم اجبارها من قبل الحكومة على منح قروض للغير قادرين على السداد من باب مساعدة فئات ذوي الدخل المحدود رغم أن هذة الفئة غير قادرة على السداد و بعدما ساهم دخولهم في سوق العقارات في رفع اسعار العقار بصورة خيالية مما سبب ازمة العقار التي عصفت بالبنوك الامريكية مسببة اضرارا فادحة في الاقتصاد حيث اصبحت البنوك الامريكية مدينة بسبب هذا البرنامج ذو الظاهر الانساني بما يزيد عن 300 بليون دولار يتحملها الشعب الامريكي في نهاية المطاف هذا البرنامج وعلى الرغم من مقاصده النبيلة لم يخدم على المدى الطويل محدودي الدخل بل وسع شريحة من لا يملكون منازل لتشمل اخرين كانوا قادرين على الاحتفاظ بمنازلهم لولا تدخل الحكومة!!
عواقب الإقتصاديين
الفصل السادس من الكتاب بعنوان العواقب الإقتصادية للإقتصاديين!! وفيه يورد كارسويل النظريات الهايكية حول استحالة تخطيط السوق ويفتتح كارسويل هذا الفصل بجملة لعالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل فردريك أوغسط فون هايك حيث يقول: (المهمة الغريبة للاقتصاد هي الإثبات للبعض كم هو قليل ما يعلمونة حول ما يتصورن انه بإمكانهم التحكم به وتخطيطه) يعتقد هايك ان السوق لا يمكن التحكم به وتخطيطة بخطة كبرى كما يتصور الكينزيين (اتباع عالم الأقتصاد المنافس البريطاني جون ميرالد كينز) لذالك لا جدوى من اقحام الحكومة في شؤونة حتى إن تعثر فالسوق يصلح نفسه بنفسه وتدخل الحكومة يزيده تعثر عاجلا ام اجلا ويقول كارسويل ان الاقتصاديين الذين يعملون في الحكومة يقومون بمجاملتها وترقيع المشاكل لا حلها لكي لا يتم الاستغناء عن خدماتهم وهم دائما ما يفضلون رفع المصروفات الحكومية لضخ اموال للسوق ويتجاهلون خيار خفض الضرائب لكي لا تخرج الاموال منه اساسا فخفض الضرائب يعني حكومة اصغر وبالتالي تدخل اقل في السوق و بالتالي الاستغناء عن خدمات معظم هؤلاء الخبراء الاقتصاديين.
الصين نموذجا!!
ويقارن كارسويل بين حكومتي اليونان والصين فاليونان استمرت في الاستدانة والصرف لتتماهى مع شريكاتها في الاتحاد الاوربي في مجال دولة الرفاة دون الالتفات الى قدرتها الحقيقة على السداد بينما الصين استمرت في الانتاج والادخار الى ان اصبحت تملك اكبر احتياطي نقدي في العالم!! يقول كارسويل ان الاتحاد الاوربي عندما لجئ الى الصين لإخراج اوربا من ديونها كان غير منطقيا فكيف يطلب من الصين التي يبلغ معدل دخل الفرد السنوي فيها 5000$ بسداد ديون اوربا التي يبلغ معدل دخل الفرد فيها 30000$ فلا يوجد منطق يتوقع من الصيني الذي يعمل ويجتهد ان يسدد ديون الاوربي الذي يدفع له كإعانة بطالة ما يدفع للعامل الصيني كراتب عمل. الكاتب يذكر ان تكلفة تشغيل الحكومة الصينية أقل من 10% من الناتج الاجمالي القومي بينما تصل في الغرب الى 25% وهذا أمر مثير للسخرية اذا ما تذكرنا أن الصين يفترض ان تكون دولة ذات حكومة شمولية و الغرب يفترض ان يكون داعما للديمقراطية. نتيجة هذا التضخم في الحكومات الغربية بما فيها الولايات المتحدة كانت كارثية و أدت الى الأزمة الاقتصادية التي ضربت الغرب فالكونغرس الامريكي وافق على الاستدانة للخروج من هذة الازمة في سنتين مايزيد عن المبالغ التي وافق عليها خلال 200 سنة من تاريخة!! فلو تم توزيع هذة الديون الحكومية على الشعب الامريكي مباشرة لتحمل كل فرد امريكي مايزيد عن 100000$ على عاتقة ويضيف كارسويل ان المواطن الامريكي هو الضحية وعليه ان يدفع الضرائب التي ستذهب لسداد الديون الناتجة عن تدخل الحكومة المتضخمة.نتيجة لكل ذالك يرى كارسويل ان الازمة الاقتصادية تشكل نهاية الطريق لحكومات التكنوقراط المتضخمة والسلطة سترجع للشعب مجددا.
ديمقراطية الانترنت لصالح اللامركزية
يرى كارسويل في الجزء الثاني من كتابة المعنون بولادة ديمقراطية الانترنت ان الحكومات سترجع الى ما كانت عليه في القرن ال19 من صغر ولكن هذة المرة بفضل الثورة الرقمية لا بفضل ضغوط الاقطاعيين والرأسماليين ولن يكون هناك مجال واسع للسياسيين للتحكم بالجماهير فبضل ثورة المعلومات تقلصت الهوة بين السياسي والعامي فلم يعد السياسي بعد اليوم قادر على ادعاء معرفة ما لا يعرفة العامي ففي السابق كان اعضاء البرلمان البريطانيين يتميزون بمعرفتهم بما يدور في الويستمنستر والوايت هول وصالونات لندن السياسية دون غيرهم فبقية الشعب ونتيجة لبعد المسافات في القرن ال19 و تحكم الاحزاب بالاعلام في القرن ال20 لايتسنى لهم معرفة ما يعرفه برلمانييهم ولكن مع الثورة الرقمية وتوفر معظم المعلومات لمن يريد الحصول عليها لم يعد السياسي يملك هذا التميز الذي كان له في ماقبل الانترنت. الثورة الرقمية تشكل انقلابا على طغيان النخب وستغير شكل العالم كما حصل في الثورتين الصناعية والزراعية من قبل و يرى كارسويل ان الثورة الرقمية ستقضي على ما يميز النخب والمثقفين عن العامة و يستشهد بهايك مجددا حول هذا الموضوع فهايك يعتقد ان مكانة النخب المثقفة مكتسبة من انهم يسمعون بالافكار والنظريات الجديدة قبل العامة وحالما يفقدون هذة الميزة تسقط نخبويتهم.
موت الآليات القديمة
الفصل الثامن من الكتاب بعنوان سياسة الانترنت و هو يشرح كيف ستموت السياسة التقليدية في الغرب لصالح سياسة الانترنت الجديدة يرى الكاتب ان سياسة الانترنت لا تعني بالضرورة الاستغناء عن الانتخابات او الديمقراطية بحد ذاتها بل الاستغناء عن بعض آلياتها القديمة فكما ان الاي بود وغيرة من الاجهزة اتاح للفرد السماع لأغانية المفضلة في اي وقت دون الحاجة لإنتظار بثها في الإذاعة او شراء شريط كامل لا تعجبه منه سوى اغنية واحده فكذالك ستكون خيارات الافراد في السياسة !!! حيث يرى كارسويل ان المواطن لن يعود مجبرا في ديمقراطية الانترنت على انتخاب حزب لمجرد انه يوافقهم في شيئ واحد او حتى نكاية في الاحزاب الاخرى ولكنه سيكون حرا في ايصال صوتة لصالح موضوعات محددة دون وصاية من الاحزاب فالشعب اصبحت لدية آلية ممكنة من خلال الثورة الرقمية لإيصال صوتة كصانع للقرار في شتى المواضيع التي تهمة.وليس الانتظار في صفوف طويلة كل عدة سنوات ليعاقب حزب او يوصل أخر للسلطة فبأستطاعتة اليوم المراقبة والمشاركة دون وصاية من أي حزب او مجموعة. نتيجة لذالك يتوقع كارسويل انه لا مكان للاحزاب السياسية بهيكليتها المركزية في مستقبل الديمقراطية الانترنتية.
السوق الحر
يرى كارسويل ان ديمقراطية القرن ال21 ستتحكم فيها العلاقة بين الزبائن المستهلكين و الحكومة لصالح القطاع الخاص و تحجيم دور الحكومة مثل ما تحكمت العلاقة بين النقابات العمالية و الحكومة في ديمقراطية القرن ال20 لصالح القطاع العام و تضخيم الحكومة بالاضافة الى ان كارسويل يرى ان قوة المواطنين المستهلكين في السوق الحر ستسحب بساط السياسة من النخب اليمينية و اليسارية لصالح القواعد الشعبية التي ستتحرر من التبعية السياسية لهذة النخب وستقرر مايصلح لها بنفسها دون وصاية من اي ايدلوجية.
الانترنت
الفصل العاشر جاء تحت عنوان دولة الانترنت!! حيث يرى الكاتب ان الانترنت سيتيح للدولة اخذ رأي الشعب في اي وقت بشكل اسهل فالانتخابات التشريعية التي يتم فيها التوهم ان الفائزين فيها سيكونون أهل للتحدث عن هذه الاعداد المليونية لم تعد مجدية في دولة الانترنت فبإمكان الحكومة في دولة الإنترنت الرجوع للمواطنين مباشرة كلا فيما يخصه دون الحاجة الى هذا الوسيط المسمى بعضو البرلمان!!
كيف تقدم الغرب ولماذا يتراجع؟!
الفصل الأخير من هذا الكتاب جاء معنونا بهذا التساؤل: هل ما زال الغرب أفضل؟ is the west still best? يتسائل كارسويل حول سبب تراجع الغربيين على المستوى العالمي بعدما كانوا متقدمين على باقي شعوب العالم في القرون الأخيرة كارسويل يقول ان مجموعة ال8 للدول الصناعية الكبرى اجتيحت من قبل دول الشرق لذا خلقوا مجموعة ال20 للحفاظ على التمثيل الغربي يرى كارسويل انه على دول الغرب بحلول 2030 ان تسعى لقيام مجموعة ال30 او ال50 لكي تضمن تواجدها في داخل هذة المجموعات يرجع الكاتب دوغلاس كارسويل للتاريخ ليستوضح سبب تقدم الغرب قبل عدة قرون ليفهم سبب تراجعهم الآن !! فيذكر انه قبل الف عام لم يكن الاوربيين افقر فقط من الهنود والصينيين بل ان دخول الافراد الاوربيين اقل من المتوسط العالمي !! يرى كارسويل ان الغرب بدأ في التقدم عندما تخلص من السلطة المركزية الموحدة في روما واصبح يملك حكومات غير مركزية عديده ويستشهد في ذالك بكتاب المعجزة الاوربية لجونز الذي يعتقد ان سبب تقدم الغرب هو تخلصها من الحكومات الامبراطورية المركزية ففي الوقت الذي كان المينغ يحكمون الصين و المغول يحكمون الهند والعثمانيين العالم الاسلامي بشكل امبراطوري مركزي تمتعت اوربا بقيام عدة دويلات ساهمت في ابقاء حجم الحكومة في اصغر حد ممكن وحالت دون تدخلات البيروقراطيين في العواصم الامبراطورية من هنا يعتقد كارسويل ان اللامركزية في الحكم وبالتالي الحكومات الصغيرة كانت من أهم عوامل تقدم العالم الغربي على البقية وانه اذا اراد الغرب الحفاظ على هذة المكانة عليه التخلي عن خططه الوحدوية السائرة في اتجاة المركزية وحكم البيروقراط وهو بذالك يصرح بوجوب عدم اعتماد بريطانيا على الاتحاد الاوربي و فك ارتباطها به والسير في اتجاة اللامركزية الخلاقة تاريخيا. شخصيا اعتقد ان في حديث كارسويل حول الفوائد التاريخية للامركزية شيئ كثير من الصحة وله شواهد عده من تاريخنا الاسلامي فهل كانت عمان ستتمكن مثلا من الوصول الى ما وصلت اليه في عهد اليعاربة اذا كانت ولاية تابعة للخلافة العثمانية في الآستانة!! والم تزدهر مصر عند قيام دول تتسم بقدر كبير من الاستقلالية وتنحدر عندما تتبع مباشرة لحكم الخليفة في دمشق او بغداد او القسطنطينية!! ناهيك عن الاندلس وازدهارها الذي بلغ اوجه في عصر ملوك الطوائف وتشتتها الى دويلات عدة!! بالاضافة الى حاضرنا في هذة المنطقة الذي نرى فيه الدول الصغيرة اكثر تقدما وازدهارا من الدول الكبيرة بما فيها البحرين فعلى الرغم ان النفط نضب من هذة الدولة الخليجية الصغيرة الا ان الوضع الاقتصادي لشعبها يضاهي وضع جارتها النفطية الكبرى!! هنا ينتهي كتاب دوغلاس كارسويل مبشرا باللامركزية و السوق الحر بفضل الثورة الرقمية ومؤذنا بإنتهاء نموذج الديمقراطيات التقليدية و ولادة ديمقراطية الانترنت التي لن يتحكم فيها البيروقراط و الاحزاب بهيكلياتها القديمة ولا النخب المثقفة المتعالية و بذالك ننتهي من أستعراض كتاب نهاية السياسة و ولادة ديمقراطية الانترنت للبرلماني البريطاني المحافظ دوغلاس كارسويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق