الاثنين، 24 فبراير 2014

إختطاف الشخصية الصورية خطر على النسيج العماني



في عام 1835م زار الرحالة البريطاني جيمس ويلستد صور و من ضمن مشاهدات هذا الرحالة ان بيوت صور عبارة عن مجموعة من الأكواخ المشيدة بإستخدام سعف النخيل كما ذكر أن البيوت الطينية الوحيدة كانت مبنية فالسوق و الذي يبعد عن الساحل مسافة ميل و نصف و من الواضح من خلال وصفة للسوق انه يقصد منطقة بلاد صور التي يبدو انها كانت تشكل مركز المدينة في ذالك الوقت و يذكر ولستد ان هذة البيوت الطينية علاوة على صغرها كانت مسكونة من قبل مجموعة من التجار الهنود و ينهي ولستد وصفه الباهت لهذة المدينة مما يوحي انها لم تكن متميزة كثيرا عن بقية المدن الساحلية العمانية و أقصى ما يمكن وصفها به انها ميناء لمنطقة جعلان كما ذكر ولستد نفسة ولكن بعد هذة الزيارة بأقل من قرن أصبح هذا الميناء المحلي محطا لتنافس القوى الإستعمارية لا بسبب ثرواته الطبيعية فصور ببحرها و برها قاحلة لا تحتوي على ما يثير طمع هذه القوى العظمى  فلم تكن أحلام النفط قد راودت الخيال الإستعماري بعد و لا بسبب موقعها الإستراتيجي فموقع مسقط و مطرح أفضل من الناحية الإستراتيجية و ميناءهما أعمق من ميناء صور بل أن حتى موقع رأس الحد أفضل من موقع صور إستراتيجيا من حيث انها أقرب نقطة في شبة الجزيرة العربية لشبة القارة الهندية.

الذي دفع بهذة القوى الإستعمارية للتنافس على صور هي ما يمكن ان نسمية الشخصية الصورية التي تمكنت بدهاء من الإستفادة من التنافسات بين القوى الإستعمارية لصالحها و خلقت ما يعرف بقضية الأعلام الفرنسية لتتمتع بأكبر قدر من الحرية  والتي ستجعل هذا اللسان الرملي القاحل التي اتخذتة هذة الشخصية الصحراوية البحرية مسكنا لها يستحضر تاريخ هذة المدينة الفينيقي المنسي بعدما مرت بفترة إضمحلال وخف وهجها قي كتب التاريخ فترة من الزمن فها هو الشيخ سالم بن حمود السيابي المؤرخ المعروف يصف صور "انها من أفخر بلاد و أقدمها عمرانا!!" كما يصفها الشيخ محمد بن عبدالله السالمي صور " من أفخم المدن العمانية عريقة في القدم و يعتبر تاريخها تاريخ أمة كاملة!!"  والأخير أقام في صور راغبا في حصول أبنائة على تعليم نظامي في أول مدرسة أهلية أسسها أهالي صور في الأربعينيات من القرن الفائت و في ذالك دلالة رمزية لا يمكن إهمالها فالشيخ محمد السالمي أحد علماء عمان كما انه أبن نور الدين السالمي أحد أكبر علماء عمان و المؤسس الروحي لدولة الإمامة الأخيرة أي انه كان بإمكانة ان يعلم ابنائة بنفسة و لكنه فضل ان يتعلم ابناءة في هذة المدرسة النظامية الصورية الجديدة.

بل ان كتابات الغربيين انفسهم تشي بمدى التغيير الذي طراء على هذة المدينة و أهاليها خلال أقل من قرن فلم تعد بيوت صور عبارة عن أكواخ من سعف النخيل فقط و لكنها اصبحت تضم العديد من البيوت الطينية الواسعه و الجميلة و أصبحوا أهل صور يوصفون بأنهم أكثر وعيا و إطلاعا من بقية السكان بل ان أحد المبشرين من الإرسالية الأمريكية و الذي زار صور في نهايات عشرينيات القرن الفائت يتحدث عن بذخ أهل صور مقارنة ببقية سكان عمان كما يذكر انه بعد ان يفرغ من أحاديثة الدينية الساعية لجذب المستمعين للديانة المسيحية يبادرة أهالي صور بسؤالة عن أخبار الأزمة المالية في أمريكا!! ليفهم ان أستماعهم له و صبرهم عليه لم يكن سوى مجاملة و أن أهتماماتهم الحقيقية تجارية بحتة.

يمكن القول أن هذة الإهتمامات التجارية هي المبلور الرئيس للشخصية الصورية حيث تبدوا غيرها من العوامل  كالجغرافيا و القبيلة و المذهب غير ذات أهمية أمامها فجغرافيا تقع صور فالطرف الشرقي من سلسلة جبال الحجر و ليست منعزلة جغرافيا كظفار على سبيل المثال أما قبليا فالصوري الجنيبي يجد نفسة أقرب للصوري السناني مثلا في شخصيتة من أبناء عمومتة في مناطق البادية الحدرية  وكذا هو الحال بين السناني و أبناء عمومتة في قريات و هو ما يثبت أن الشخصية الصورية لم تكن نتاج عصبية قبلية إنعزالية. أما مذهبيا فلم يكن أهل صور متشددين في هذا الجانب لأنهم أصلا لم يكونوا متشددين في تدينهم مكتفين بالتدين الفطري السليم و البعيد كل البعد عن فذلكات التشدد و شكلياته وعلى الرغم من أن صور عرفت بكثرة مساجدها و حب أهاليها لبنائها تقربا لله عزوجل لم تشهد صور تواجد قيادة دينية مؤثرة لا لعدم إستطاعة أهل صور إستضافتها بل لعدم تواجد البيئة المناسبة لمثل هذة القيادات المتشددة في صور فأهل صور أكتفوا بإستضافة بعض السادة للإستفادة من علومهم الشرعية في مجالات المواريث و الزواج و الطلاق و التوثيق لا أكثر ولا أقل ولم ينظر يوما أهل صور لهؤلاء بصفتهم قادة سياسيين محتملين كما لم يتدخل هؤلاء في الأمور العامة للمدينة. كما أن صور لم تكن يوما مستقلة سياسيا اذا ما قارناها بإمارات ساحل عمان و الخليج العربي و التي أسهم إستقلالها في بلورة شخصيات سكانها بشكل مغاير عن جيرانها حماية للنزعة الإستقلالية السياسية. أذن فالشخصية الصورية التي ورثت شغف التنافس من أصولها البدوية و أكتسبت المرونة من إحتكاكها بالبحر وصارت متميزة في كل شي بدء من لهجتها و ملبسها و طعامها و فنونها و مسكنها إنتهاءا بطريقة تفكيرها البراغماتية. لا يفهم من هذا ان الشخصية الصورية لا تمت بصلة للهوية العمانية بل هي جزء منها داخله في نسيجها  ولكنها شديدة التميز لسبب فريد و هو  ان تميزها لم ينبع من عزلة جغرافية او قبلية او مذهبية او حتى إستقلال سياسي ولكن من روح الريادة التي سطرها ربانبة البحر والتي اسهمت عبر أجيال في بلورتها بالشكل الذي عرفت به.

هذا الشخصية الصورية المتميزة في الإطار العماني على وشك ان تختطف اليوم من قبل بعض ممن انزلقوا نحو حفرة التمذهب البغيض بسبب إنقطاع أهل صور عن روح الريادة التي اورثتهم هذة الشخصية التي يفاخرون بها هذا الإنقطاع كان أمرا طبيعيا خارجا عن إرادة أهل صور و الحكومة معا فمع ظهور النفط فالخليج و توفر المهن الأقل خطورة لإبناء صور مع الرواتب المجزية بدأ مشوار النهاية لهذة الروح الريادية الصورية حيث أستمر الأسطول الصوري في التقلص وهجر أهل صور البحار و في نفس الوقت الذي افتتح فيه طريق مسقط صور في سبعينيات القرن الفائت تم إغلاق الباب بين بحر الريادة و صور وإنكفى أهل صور في مدينتهم التي لم تعد مدينة ساحلية عادية كما وصفها ولستد في بدايات القرن ال19  و لكن مدينة متميزة يفاخر أبناءها بتميز شخصياتهم الموروثة من اجدادهم. الشخصية الصورية و بعد إنقطاعها عن الروح التي بلورتها تعرضت كما تعرض مجمل العالم الإسلامي للفحات ما يسمى بالصحوة الإسلامية و هي التي طرحت نفسها بديلا عن الفكر القومي الخائب. لم يكن تأثير هذة الصحوة بالغا على الشخصية الصورية في فترة الثمانينات و التسعينيات حيث أن أغلب شباب تلك الفترة إما ما زالوا يحملون رواسب من الفكر القومي الناصري او انهم منخرطين في عملية التنمية الحديثة في البلاد دونما ادنى إهتمام بهذة الأمور.

بدأت إنطلاقة هذة الصحوة في عمان و التي هي حقيقتها غفوة مع انفجار ثورة الإتصالات حيث اصبح إعلام هذا الفكر المسمى إصطلاحا بالصحوي أكثر قربا و تواصلا مع متابعية من ذي قبل و أصبح الكثير من الشباب الصوري يرى في هذة التمترس خلف المذهب و الذي كان نتيجة لهذة الصحوة  تبريرا لتميز شخصياتهم بعدما انقطعوا عن السبب الحقيقي لهذا التميز ومن هنا فأن الشخصية الصورية في طريقها للإختطاف من قبل هذا الشبح الصحوي المذهبي فلم يعد الصوري يرى أنه متميز لأنة صوري و لكنه يرى أن الصوري مختلف لإنه سني!! . وهذا مؤشر صريح أن النسيج العماني ليس ببعيد عن خطر مقص الطائفية مهما تغنينا بغير ذالك و لولا حكمة قائد هذا البلد الذي ينأى في كل سياساتة عن مما شأنة أن يثير الحساسيات المذهبية لتهدد هذا النسيج بالفعل بسبب هذة الموجات المذهبية العارمة التي تعصف بالمنطقة وما البحرين و الكويت عنا ببعيد.

شخصيا أرى انه لا توجد حلول سحرية لكي نحمي مجتمعنا العماني المتنوع من هذا الإختطاف المخيف و لكنني اعتقد انه بشكل عام يجب أن نتجه على الصعيد السياسي بشكل أقوى نحو اللامركزية فبذالك تزداد الشفافية و الوضوح في إدارة الشأن العام و يقل بشكل كبير رواج الأفكار المؤامراتية التي تنمو في بيئات العمل المركزية و تتغذى عليها الطفيليات المذهبية و تتاح الفرصة لأبناء الولايات بالمساهمة بشكل فعال في إدارة شؤون ولاياتهم وفق ضوابط معينة تكفل عدم الإنجرار للنزاعات القبلية و المذهبية تحت ظل حكومة قوية و رقابة برلمان نخبوي متخصص ينتخب من قبل هيئات متخصصة من قطاعات عدة تضع في عين الإعتبار مصلحة قطاعها ولا تنخدع بالشعارات الجوفاء من أي ايدلوجية كانت. بذالك ينشغل ابناء كل مدينة في تنمية مدنهم والتنافس الإيجابي في ذالك وخير دليل على خدمة اللامركزية للتنوع الإيجابي وتعزيزة سويسرا التي تحتوي على عدة قوميات بلغات مختلفة كما ان كل الدول الأوربية لا يقل نظام الإدارة المحلية فيها أهمية عن البرلمان من حيث انه الدعامة الأساسية للأمركزية الضرورية لإنجاح التجربة الديمقراطية.
ندعوا الله أن يحفظ صور و كل مدن و قرى عمان من شرور المذهبية البغيضة.