الثلاثاء، 9 يونيو 2015

القومية البلوشية أصولها و تطورها


كتاب القومية البلوشية أصولها و تطورها يسعى لعرض مسيرة الشعب البلوشي و حركتة القومية الهادفة الى إقامة كيان سياسي يمكنه من الحفاظ على هويته القومية في مواجهة جيرانه الايرانيين و البنجابيين والذين يحكمون الآن أراضي بلوشستان التاريخية. مؤلف الكتاب هو الدكتور تاج محمد بيرسيك من مواليد مكران في بلوشستان ايران حصل على دراسته الجامعية من كراتشي في باكستان ليهاجر بعدها فالثمانينيات الى السويد ليعمل محاضرا للغتة الأم البلوشية في الجامعات الأوربية ليحصل بعدها على الدكتوراه من جامعة لندن سنة 2002 و مثل هذا الكتاب أطروحته للحصول على هذه الشهادة العليا. قام بترجمة الكتاب الى اللغة العربية الباحث العماني أحمد بن يعقوب الهوتي وهو باحث مهتم بالقضية البلوشية أخرج الى حد الآن ثلاث كتب حولها ومن ضمنها هذا الكتاب.

أصل البلوش
يعتقد المؤلف انه بسبب موقع البلوش على مفترق طرق فهم لا ينحدرون من سلالة واحدة و لكن اساطيرهم القديمة تشير الى ان لهم أصل مشترك يختلفون فيما بينهم في تحديده حيث يرجعة البعض الى قريش مفاخرين بذالك بالقرابه مع النبي كالكثير من الشعوب الإسلامية بينما يطرح البعض نظرية انحدار البلوش من بيلوس او النمرود الملك البابلي القديم و يقدم المترجم طرح أخر يتلخص في ان البلوش يتحدرون من منطقة ما بين كيلان في ايران و وكردستان أستنادا على الأصل اللغوي المشترك للغتين الكردية و البلوشية المنتميتان الى عائلة اللغات الايرانية. و يشير الى انه اي كان أصل البلوش فأنهم تمكنوا من خلال العيش في نطاق جغرافي معين لما يزيد عن الثلاثة الاف عام تمكنوا من تشكيل هويتهم الخاصة التي تؤهلهم لإعتبار نفسهم شعب مستقل متمايز عن الشعوب المجاورة بثقافة و لغة و تاريخ خاص.

التاريخ السياسي البلوشي
عاش البلوش كقبائل متفرقة في أغلب فترات تاريخهم الا ان هذا التاريخ لا يخلوا في بعض فتراته من تكون دول بلوشية توحد قبائل البلوش لتعطي دفعة جديدة في تشكيل الوعي القومي البلوشي. و تشير المصادر الشفهية البلوشية انه تم تشكيل اول فيدرالية بلوشية توحدت من خلالها قبائل البلوش في القرن الثاني عشر الميلادي بقيادة مير جلال هان والذي يعتبر الوالد المؤسس للأمة البلوشية وحسب الروايات البلوشية فأن هذة الفيدرالية تفككت بمجرد وفاتة ليحكمها خمس حكام هم أبنائه رند و لاشاري و كورائي و هوت وابنته بيبي جتو حيث أختل بعدها النظام السياسي للبلوش تحت وطأة ظرب الغزاة المغول في القرن الثالث عشر. لتقوم بعدها إمارة أخرى عرفت تاريخيا بكونفدرالية الرند و اللاشار برئاسة مير جاكر رند في القرن الخامس عشر الميلادي و على الرغم من ان هذه الإمارة تعد علامة فاصلة في التاريخ البلوشي وانتشار اللغة البلوشية من خلال الملاحم المتجسدة في الروايات و الأشعار المخلدة لمناقب هذة الإمارة الا ان لغة بلاط الأمير مير جاكر كانت الفارسية. و في القرن السابع عشر الميلادي ظهرت خانية بلوشستان او كما تسمى ايضا دولة كلات التي استطاعت ان توحد البلوش تحت سلطة حكومة مركزية بقيادة مير أحمد الأول كخان لكلات اي حاكم على كافة القبائل البلوشية بقرار من الجيركا او مجلس شيوخ القبائل و في القرن الثامن عشر حكم دولة كلات نصير خان الأول و التي بلغت الدولة البلوشية في عهده أوج نفوذها و ذروه مجدها لينظم الى مير جلال هان و مير جاكر رند كأحد أبرز حكام البلوش و قادتهم عبر التاريخ. و بحسب الباحثين البلوش كان نصير خان أول حاكم بلوشي يولي إهتمامة للسياسة الخارجية حيث تبادل السفراء مع ايران و افغانستان و إمام عمان و العثمانيين. ومع وفاة نصير خان عام 1795م بدأ تدهور السلطة المركزية لصالح زعماء القبائل الى ان وصلت القوات البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر بعد أن شعر البريطانيين ان بلوشستان يجب ان تخضع لسيادتهم المباشرة لكي لا تستغل من قبل القوى الإستعمارية الأخرى لتهديد نفوذها في الهند و خصوصا الروس. كبلت بريطانيا خانات كلات بعدة اتفاقيات توجت في عام 1877م بإنشاء وكالة بلوشستان و تعيين روبرت ساندمان رئيسا لها لتنتقل السلطة الحقيقية و المباشرة في يد البريطانيين عبر وكلائها السياسيين و تجريد الخان من نفوذه التقليدي.

نظام ساندمان
عمل روبرت ساندمان على إنشاء نظام يمكنه من إقامة علاقات مباشرة مع زعماء القبائل البلوشية و الحصول على ولائهم و تجاهل الخان نتيجة لذالك. كما عمل النظام على منح السردارات او زعماء القبائل امتيازات تحول على إثرها زعيم القبيلة او السردار من وضع الأول من بين متساوين الى وضع الحاكم و الرعية و نجح بذالك من خلق فجوة بين أبناء القبائل و زعمائهم مما جعل الأخيرين رهن إشارة البريطانيين و أكثر إعتمادا عليهم. ومن هنا منيت حركات المقاومة البلوشية ضد البريطانيين بالفشل نتيجة إحكام البريطانيين قبضتهم على النظام القبلي البلوشي من خلال نظام ساندمان.

بلوشستان الغربية (الايرانية)
بعد وفاة نصير خان كما أسلفنا ضعفت سلطة الخان لصالح زعماء القبائل و اضمحلت سلطة الخان في بلوشستان الغربية. وفي عام 1869م اقترح شاه فارس ترسيم الحدود بين فارس و بلوشستان وعقد على إثر هذة الدعوة مؤتمر لترسيم الحدود شارك فيه وفد من دولة كلات الى جانب البريطانيين و الفرس ولكنه تم تجاهل مطالب البلوش ممثلين بوفد كلات بالسيادة الكاملة على كافة أراضي بلوشستان و انتهى المؤتمر بإقرار سيطرة فارس على بلوشستان الغربية على الرغم من رفض وفد الخانية لذلك وفي عام 1896م و بعد أغتيال نصير الدين القاجاري شاه فارس دخلت البلاد الفارسية في فوضى سياسية شجعت بعض زعماء القبائل في بلوشستان الغربية على إعادة نفوذهم والقيام بثورات ضد الحكم الفارسي و تمكنت الحكومة القاجارية من هزيمة الثوار البلوش عام 1898م بعد عدة معارك خاضتها ضد الثوار و على الرغم من ذالك لم تعد سلطة القاجاريين بنفس القوة التي كانت عليها قبل ثورة 1896-1898م و ظهر على المشهد القبلي زعيم تمكن من توحيد العديد من قبائل بلوشستان الغربية تحت قيادتة يدعى مير بهرام خان بعد ان واجهة الانجليز و العديد من الزعماء المحليين الموالين لهم وافق بهرام خان على ايقاف تهديداته على مناطق نفوذ البريطانيين في بلوشستان الشرقية مقابل الاعتراف به كحاكم فعلي على بلوشستان الغربية. توفي مير بهرام خان سنة 1921م و خلفه  ابن اخيه مير دوست محمد خان الذي لقب نفسه شاه بلوشستان و عزز من موقعة عن طريق تحالفات و مصاهرات اقامها مع العديد من قبائل بلوشستان الغربية و بدأ في تشكيل جيش بلوشي حديث ولكن الوقت لم يسعفه لإستكمال مشاريعة الطموحة ففي عام 1925م اعلن رضا خان نفسه شاها على ايران منهيا بذالك حكم القاجاريين واتخذ لعائلته أسم بهلوي و قام بعدها بإخضاع الحكام الشبه مستقلين لسلطة حكومتة المركزية في طهران و بعد ان تمكن من القضاء على حكم الشيخ خزعل في عربستان التفت رضا بهلوي لمير محمد دوست و طالبه والزعماء البلوش بالخضوع لسلطة طهران المركزية رفض مير دوست الخضوع و ارسل رضا بهلوي جيشا لبلوشستان الغربية سنة 1928م نجح في التخلص من الحكام المستقلين واخضاع مناطقهم للحكم المركزي بعد سبعة شهور من المعارك الضارية. حاول مير دوست ان يلجاء لحرب العصابات دون تحقيق نجاح يذكر حيث القي القبض عليه وتم إعدامه في طهران سنة 1931م. مارست ايران سياسة تفريس البلوش في العهد البهلوي على غرار سياسة تتريك الاكراد في العهد الجمهوري التركي و قد كان يتم تدريس البلوش في المدارس الايرانية ان البلوش هم فرس في الأصل العرقي. تعاطف معظم المثقفين البلوش مع الثورة الإسلامية ولكنهم صدموا بالدستور الجديد الذي لم يمنحهم ما يطمحوا اليه من اعتراف بحقوقهم كقومية وعاد الوضع على ما كان عليه ايام الشاه من جانب اخر قام العراقيين بدعم بعض سردارات البلوش الموالين للشاه للقيام بثورة مسلحة ضد نظام الخميني ولكنها بأت بالفشل كغيرها من حركات التمرد السابقة.

بلوشستان الشرقية
ظهرت في بلوشستان الشرقية بعد تكون طبقة من الشباب البلوش المثقفين نتيجة دراستهم و خدمتهم في المدارس والمصالح التي قام البريطانيين بإدخالها بشكل محدود أثناء فترة سيطرتهم على بلوشستان عدة حركات سياسية تهدف الى تغيير الاوضاع تحت الاستعمار البريطاني نحو تأكيد إستقلال بلوشستان عن الهند الكبرى بصفتها أرض لقومية مستقلة تاريخيا كالنيبال و أفغانستان. لم تلقى مطالب البلوش آذان صاغية من قبل البريطانيين ولا من قبل اخوتهم المسلمين في دولة باكستان الحديثة حيث قام الباكستانيين بضم بلوشستان الشرقية لهم في مارس 1948م و أجبر الخان على التوقيع على وثيقة الإندماج بعد ان خذله معظم سردارات القبائل اصحاب النغوذ الأقوى لدى البلوش. تميزت فترة ما بعد الاستعمار بإستئثار البنجابيين بمفاصل الحكم في بلوشستان قامت على إثرها عدة حركات تمرد بلوشية ضد الحكومة المركزية. و في عام 1972م و نتيجة لهزيمة باكستان في حربها مع الهند و إنفصال باكستان الشرقية لتصبح دولة بنغلاديش خففت السلطة الحاكمه في اسلام اباد من قبضتها الحديدية و توجهت لإعطاء الأقليات ومن ضمنهم البلوش بعض من صلاحيات الحكم الذاتي ولكنها سرعان ما تراجعت عن ذالك وقامت بتقويض ما منحته للبلوش من حكم ذاتي محدود و قام البلوش على إثر ذالك بثورة أستمرت لمدة اربع سنوات 1973-1977م قام الجيش الباكستاني بإخمادها بمساعدة عسكرية و مالية سخية من شاه ايران الذي كان يخشى ان يؤثر الشعور القومي البلوشي المتوهج في باكستان على بلوش بلاده. و في المقابل قام العراقيين بدعم الثوار البلوش في تلك الفترة نكاية بإيران و القوى الغربية من خلها ولكنه سرعان ما توقف الدعم العراقي للثوار البلوش سنة 1975م بعد ان توصل شاه ايران محمد رضا بهلوي و نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الى اتفاقية الجزائر التي جمدت الخلافات بين بلديهما في ذالك الوقت.

هذا مختصر ما أستفدناه من خلال قراءة هذا الكتاب و يبدو  لنا هنا ان التواجد العماني في سواحل مكران لم يكن ذا أهمية كبرى بالنسبة لمؤلف الكتاب حيث وردت إشارة جانبية بسيطة عن موضوع بيع السلطان سعيد بن تيمور لجوادر تشير الى ان احد زعماء البلوش عارض هذه العملية وطالب بأستفتاء سكان جوادر على هذا الأمر كما انه لم ترد الإشارة الى كيفية دخول جوادر ضمن الحكم العماني في عهد السيد سلطان بن أحمد ولا عن أستعانة الحكام العمانيين بالبلوش كجنود منذ عهد اليعاربة و لا ندري هل يرجع الأمر لما يبدو انه توجه قومي لصاحب الكتاب و محاولة التركيز على تاريخ البلوش الخالص دون الإلتفات الى العلاقات التي تربطهم بالشعوب المجاورة و بينهم العمانيين ام ان هذه الأحداث فعلا لا تشكل أهمية تذكر في سياق التاريخ العام للبلوش؟؟
و السلام ختام