كتاب اتاتورك للبريطاني اندرو مانغو حول مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك. الكتاب شيق وموضوعي ومفيد لكل مهتم بتاريخ تركيا الحديث بداية من حكم السلطان عبدالحميد الثاني مرورا باحداث الحرب العالمية الاولى و انتهاءا بوفاة مؤسس الجمهورية سنة 1938م. اندرو مانغو بريطاني ولد في اسطنبول ويتقن اللغتين التركية والفارسية وله عدة مؤلفات في الشأن التركي منها الكتاب الذي نستعرضة هنا. تنبع اهمية الكتاب من النقص الشديد الذي تعاني منه المكتبة العربية فيما يتعلق باتاتورك الذي غير مسار تاريخ تركيا ولا مجال لفهم الحاضر التركي دون الرجوع الى حقبة تأسيس الجمهورية. لا يمكن ان يخضع الاتراك المسلمين عماد دولة الخلافة الاسلامية في القرون المتأخرة لعدو صريح للاسلام لا بد انهم يرون في اتاتورك مالا نراه. اتاتورك لمن لايعرفة هو ذالك الشخص الذي تجد صورته خلف الرئيس التركي عبدالله غول و رئيس وزراء تركيا الشهير رجب طيب اردوغان في مقراتهم الرسمية وفي كل مكان في تركيا. اتاتورك علامة فارقة في التاريخ التركي الحديث بل في التاريخ الاسلامي الحديث فهو من انهى حكم سلاطين بني عثمان والغى الخلافة بعد ذالك بسنتين. العديد من جماعات الاسلام السياسي نشأت كردة فعل على الغاء اتاتورك للخلافة في اسطنبول ومن ابرز هذة الجماعات جماعة الاخوان المسلمين التي نشأت بعد الغاء الخلافة باربع سنوات. الكتاب يحتوي على مقدمة وخمس فصول وتعريفات مختصرة للشخصيات الواردة في الكتاب ويقع في حوالي ستمائة صفحة.
البدايات
الفصل الاول من الكتاب يتحدث عن السنوات الاولى لاتاتورك بدءا من ولادتة في مدينة سالونيكا التي تتبع اليونان اليوم مرورا بدخوله الكلية العسكرية انتهائا بميولة السياسية في عصر السلطان عبدالحميد الثاني و ثورة الاتحاد والترقي. ولد اتاتورك في شتاء 1880/1881 و والده هو علي رضا ابن الحافظ احمد افندي ولقب الحافظ هو اللقب الذي يطلق على من يحفظ القران عن ظهر غيب في العهد العثماني. و والدته زبيدة امراءة مسلمة محافظة سمته مصطفى تيمنا بالنبي الاكرم وسجلت تاريخ ولادته في مصحف العائلة و هي محبة لآل عثمان بصفتهم اولياء أمر المسلمين. اما عن اصل اسلافه يشير الكاتب الى احتماليتين الاولى انهم من الدونمه المسلمين ذوي الاصول اليهودية والذين يتواجدون بكثرة في سالونيكا والاحتمالية الثانية ان يكون اسلاف اتاتورك من احدى شعوب البلقان واستند البعض على ذالك بملامح اتاتورك الاوربيه المختلفة عن الملامح التركية المعروفة. احببت ان اذكر ما ورد عن اصول اتاتورك في الكتاب لعلمي ان اصحاب نظرية المؤامرة الكبرى على المسلمين يعتقدون ان اتاتورك كان من ضمن ادوات التأمر اليهومسيحي اي ان اتاتورك وفق هذة النظرية كان تتويج تأمر استمر قرون عديدة لإضعاف الامة الاسلامية وهي نظرية سخيفة بالنسبة لكل قارئ للتاريخ العثماني ولكنها منتشره لدينا. كان تعليم اتاتورك في صغرة محل خلاف بين والدة و والدته فالاول فضل ان يتلقى ابنه التعليم في مدرسة حديثة بينما فضلت الام المدارس التقليدية (الكتاتيب) لتحفيظة القرآن. فاتفقى على ان يرتاد ابنهما اتاتورك المدرسة والكتاب معا وهذا ماحدث ولكن اتاتورك الطفل اصر على ترك الكتاب لانه لم يجد فيه مايثير اهتمامة. حصل اتاتورك على اسمه الثاني من استاذة الذي سماه كمال لحدة ذكائة و خصوصا في الرياضيات واعجاب مدرسة به فاصبح اسمه منذ ذالك الوقت مصطفى كمال. توفي والد اتاتورك وهو في السابعة من العمر وتولت والدته تربيته منفرده مما ساهم في صقل شخصية اتاتورك القوية بصفتة رجل البيت. تخرج اتاتورك من الكلية الحربية عام 1902 وانظم الى اغلب الشباب الاتراك في كراهيتهم لحكم السلطان عبدالحميد الثاني الذي جمد العمل بالدستور. الدستور في ذالك الوقت كان ينظر اليه انه سبب تقدم الأمم الاوربية و تخلف السلطنة العثمانية وقد قامت حركة عثمانية بقيادة مدحت باشا تطالب بالدستور في الربع الثالث من القرن التاسع عشر وصدرت الاصلاحات الدستورية في عهد السلطان مراد الخامس الذي جلس على العرش بدعم من الدستوريين وبعد ما تولى السلطان عبدالحميد الثاني العرش (بعد تنازل اخوة السلطان مراد الذي اصيب بمرض نفسي) قام بتجميد الدستور وحكم البلاد بطريقة استبدادية الى ان قام ضباط ينتمون الى جمعية الاتحاد والترقي بعزله عن العرش سنة 1908م. والدة اتاتورك كانت تفاخر ان ابنها الان يعمل في خدمة مولاها السلطان !! كان اتاتورك يتعاطف مع الدستوريين والمثقفين اعداء حكم السلطان عبدالحميد الثاني الاستبدادي. وفي عام 1908م تنازل السلطان عبدالحميد الثاني عن العرش لصالح اخوه محمد الخامس بعد الثورة التي قادتها جمعية الاتحاد والترقي ضده. جمعية الاتحاد والترقي عبارة عن تحالف بين ضباط شباب و مثقفي جماعة تركيا الفتاة المتأثرين بافكار الثورة الفرنسية و انظم اتاتورك لها سنة 1908م. اتاتورك لم يكن في الصف الاول من قيادات هذة الجمعية التي ستقود الدولة العثمانية الى هزيمتها في الحرب العالمية الاولى. بل انه انتقد قرارت الثلاثي القوي الذي تزعم الجمعية و تسلط على الحكم في الدولة العثمانية انور باشا وطلعت باشا وجمال باشا والاخير هو المعروف بجمال السفاح عند العرب. انظم اتاتورك للضباط العثمانيين المجاهدين في ليبيا ضد الاحتلال الايطالي عام1911م. بعد ان قررت الدولة العثمانية تحت حكم جمعية الاتحاد و الترقي عدم المواجهة و اكتفت بارسال بعض الضباط المتطوعين لتنظيم صفوف المقاومة الليبية وكان اتاتورك من ضمن هؤلاء المتطوعين دفاعا عن اراضي الدولة العثمانية وهيبتها.
البطل
الفصل الثاني من كتاب اتاتورك للبريطاني اندرو مانغو كان بعنوان الحرب الطويلة وفيه يتحدث الكاتب عن اعمال اتاتورك كضابط فالجيش العثماني اثناء الحرب العالمية الاولى التي اندلعت سنة 1914م. انتقد اتاتورك تحكم الضباط الالمان فالجيش العثماني بالخطط العسكرية لانهم يعملون لمصلحة المانيا لا الدولة العثمانية. اتاتورك كان له دور بطولي في افشال خطة الانزال الانجليزية لاحتلال عاصمة الخلافة حيث قاتل بضراوة ومنع الانزال مما سبب احراجا للحكومة الانجليزية التي هزمت في هذه المعركة من قبل جيش الدولة التي كانت كل القوى الاوربية تصفها بالرجل المريض. مما حمل بريطانيا على ان تتذكر شخصية مصطفى كمال اتاتورك بكل احترام.
حرب الاستقلال
الفصل الثالث بعنوان ارادة شعب وهو يتحدث عن فترة حرب الاستقلال التي قادها اتاتورك لتحرير البلاد من جيوش الحلفاء واليونان التي احتلت شرق تركيا. استسلمت الدولة العثمانية لجيوش الحلفاء وهرب قادة جمعية الاتحاد والترقي الثوريين من اسطنبول بعدما انهارت الدولة على ايديهم في اكتوبر 1918م. بعدما سقطت اسطنبول في يد الحلفاء ارتهن السلطان العثماني لارادتهم ولم يستطع ان يفعل شيئ امام احتلال اليونانيين لشرق تركيا ونزولهم في ازمير. ازاء هذا الوضع خرج اتاتورك من اسطنبول وتوجه الى الاناضول وبدأ في دعوة المسلمين الاتراك الى تنظيم صفوفهم والجهاد ضد الحلفاء الكفار و نجحت جهوده في تنظيم المقاومة ضد الاحتلال اليوناني لشرق تركيا وتوحيد صفوف الاتراك لتحرير بلادهم وعاصمتهم و سلطانهم من تحت يد الكفار. توجت جهود اتاتورك التنظيمية بتأسيس الجمعية الوطنية الكبرى في انقرة عام 1920م لتقود الاتراك في حرب الاستقلال بعدما فقدوا الثقة بحكومة اسطنبول التي وصفت بالعمالة للمحتلين. فاصبح من احد اهم مهام هذة الجمعية الى جانب طرد اليونانيين تحرير السلطان الخليفة من مستشارية الخونة العملاء الحاكمين في اسطنبول. الجمعية الوطنية الكبرى قائمة الى اليوم وهي تمثل البرلمان في الجمهورية التركية ومنها تخرج الحكومة. استقطب اتاتورك سكان الاناضول الريفيين المتدينين عن طريق استعطاف المشاعر الدينية ودعاهم الى تحرير الخليفة وبلاد الاسلام من سيطرة الكفار ومن صور هذا الاستعطاف اصدارقانون بمنع الخمر (مع ان اتاتورك سكير اغبر) وصعوده المنبر اثناء صلاة الجمعة (مع انه لم يكن متدينا) ليزيد من قوة التأييد الشعبي لقضية حرب الاستقلال. تمكن اتاتورك في عام 1922 من هزيمة اليونانيين واجبارهم على الانسحاب واعترفت به الحلفاء كزعيم تركي بعدما كانت تعتبره خارجا عن شرعية اسطنبول. هزيمة اليونانيين كانت تشكل نصرا معنويا للاتراك فاليونان كانت العدو اللدود للدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر بعد ان نالت استقلالها منها لذا كان ينظر لاحتلال اليونانيين لبعض الاراضي التركية على انه اهانة كبرى للاتراك. تمكن اتاتورك من ان يلعب على الخلافات بين الحلفاء انفسهم لما يخدم قضية استقلال تركيا ففاوض الفرنسيين والطليان على حساب الانجليز وهدد الحلفاء بالبلاشفه في روسيا كما انه استعان بدعمهم في السنة الاولى من حرب الاستقلال مما اظهر قدراته الدبلوماسية من اجل خدمة قضيتة. انقذ اتاتورك بلادة من مصير التقسيم الذي كان يخطط له الحلفاء ونجح في تحرير تركيا لتصبح بذالك اول دولة اسلامية مستقلة في القرن العشرين.
الجمهورية
الفصل الرابع من كتاب اتاتورك للبريطاني اندرو مانغو بعنوان الجمهورية والاصلاحات وهو يتحدث عن نهاية السلطنة واعلان الجمهورية والغاء الخلافه بالاضافة الى الاصلاحات وقمع المعارضة وبروز اتاتورك كقائد اوحد للأمة التركية وقيامة باصلاحاته الثقافية والاجتماعية المشهورة. اصبح وضع السلطان محمد السادس حرجا بعد نجاح اتاتورك في هزيمة اليونانيين واجبار الحلفاء على الاعتراف بالجمعية الوطنية التي يتزعمها في انقرة حيث ان السلطان ظهر بمظهر المتواطئ مع المحتلين في حين ظهر اتاتورك في مظهر المجاهد من اجل استقلال بلادة وبعد حادثة قتل احد وزراء السلطان بشكل وحشي على يد الجماهير التركية الغاضبة طلب اخر السلاطين العثمانيين من المفوض البريطاني اخراجة من اسطنبول وخرج منها على متن بارجة بريطانية بعد ان تنازل عن الخلافة لابن عمه عبدالمجيد الثاني. كان منصب السلطان قد الغي قبل خروج محمد السادس باسبوعين وتحولت صلاحيات رئيس الدولة للجمعية الوطنية التي يتزعمها اتاتورك بينما احتفظ اخر سلاطين بمنصب خليفة المسلمين الشكلي بعد ان انتزعت كل الصلاحيات منه بعد الغاء السلطنة. في عام 1923 اعلنت الجمهورية التركية على الاراضي التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية عند استسلامها في الحرب العالمية الاولى عدا الموصل التي الحقت بالعراق و في عام 1924م الغي منصب الخلافة وخرج اخر خليفة عثماني من اسطنبول معتزلا السياسة متفرغا لشغفة في فن الرسم واثار ذالك زوبعه في العالم الاسلامي فالشريف الحسين بن علي ادعى احقيتة بالخلافة مستندا على نسبة الشريف والملك فؤاد الاول ادعى احقيتة بها استنادا على مكانة بلاده في العالم الاسلامي. يذكر ان جمعية الخلافة في الهند وهي اكبر جمعية لمسلمي الهند طلبت من اتاتورك ان لا يلغي الخلافة بل طلبت منه ان يصبح خليفة المسلمين و قوبل طلبهم هذا بالرفض من قبل اتاتورك.
الاصلاحات
اراد اتاتورك ان يقطع صلة تركيا بالشرق لانه يمثل التخلف والرجعية في نظرة وبدء في تطبيق اصلاحات بهدف تغريب تركيا فالحضارة الغربية كانت تمثل لاتاتورك حبل النجاة لكل الشعوب الراغبة في التقدم و الازدهار فمنع لبس الطربوش وفرض اللباس الغربي واغلق المدارس الدينية واقام بدلها نظام تعليم غربي وطبق قانون الاحوال الشخصية السويسري والغي العمل بالشرع وقام اتاتورك بتغيير احرف كتابة اللغة التركية من الابجدية العربية الى اللاتينية ونجح في ذالك لان الغالبية العظمى من الشعب التركي امية وتعلمت على يده!! الطريف في الامر ان اتاتورك عرض الموضوع على انه استغناء عن الحروف العربية لصالح اخرى تركية لا لاتينية فرض اتاتورك نفسه كقائد اوحد للاتراك بعدما نجح في السيطرة على الاغلبية في الجمعية والتي قمع من خلالها كل من حاول المساس بزعامته وفي الفصل الخامس من كتاب اتاتورك للبريطاني اندرو مانغو كان بعنوان الحاكم المنزه وهو يتحدث عن اتاتورك في العقد الاخير من عمره يقول الكاتب ان اتاتورك اسند مهمات الحكم اليومية لرئيس وزرائة عصمت اينونو وتفرغ هو للإشراف على اعادة كتابة تاريخ تركيا و تصفية اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية واستبدالها بكلمات طورانية او غربية ان لم يجد لها بديل طوراني وقد انشاء من اجل ذالك جمعيات متخصصة في عام 1934 صدر قانون يفرض على الاتراك الحصول على اسم عائلة واختار اتاتورك لنفسه اسم اتاتورك اتا بمعنى الوالد وتعني والد الاتراك بينما اطلق على رئيس وزرائة والذي سيصبح رئيس الجمهورية بعد وفاتة اسم اينونو وهي المعركة التي هزم فيها عصمت اليونانيين في حرب الاستقلال. اصيب اتاتورك بمرض في كبده وتوفي في نوفمبر عام 1938 في اسطنبول عن عمر يناهز السبعه وخمسين عاما ودفن في عاصمة جمهوريته انقرة اخر كلمة سمعت من اتاتورك قبل دخولة في غيبوبة ومماته كانت وعليكم السلام وهو امر مثير للسخرية علما ان اتاتورك كافح وبشراسة الكلمات ذات الاصول العربية اتاتورك منع اقامة الاذان بالعربية وامر ان يقام بالتركية كما انه امر بترجمة القرآن للغة التركية و تلاوتة بها. يجادل الكاتب ان اتاتورك قد يكون ديكتاتورا ولكنه اسس لديمقراطية ووضع بلادة في الطريق الصحيح وحافظ على استقلالها ويرى الكاتب ان اتاتورك اصبح الحاكم المنزه بالنسبة للاتراك مهما اختلفت ايدلوجياتهم فكلهم يدعون السعي في تحقيق اهداف اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية. اتاتورك شخصية جدلية يبجلة علمانيي العرب و يحتقرة اسلامييهم والحال غير ذالك عند الاتراك اسلامييهم وعلمانييهم فهم يكادون يجمعون على رمزية اتاتورك على عكس مانتصوره نحن ان تركيا نبذت جمهوريته مؤخرا فاردوغان وجماعته الاسلاميين كما نصورهم يحكمون دولة علمانية فوصولهم للحكم يعني القضاء على التطرف العلماني لا على العلمانية بينما يعاني عالمنا العربي من التطرف الاسلامي لا العلماني.
و الله المستعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق