الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

كيف أصبحت الدول الغنية غنية؟ ولماذا تبقى الدول الفقيرة فقيرة؟؟

كتاب كيف اصبحت الدول الغنية غنية ولماذا تبقى الدول الفقيرة فقيرة للمفكر الاقتصادي النرويجي ايريك رينيرت. الكتاب حصل على جائزة ميردال بعد سنة من صدوره وهي جائزة معروفة تمنح للكتب و الدراسات المختصة في الاقتصاد و الكاتب ايريك رينيرت يسعى في كتابة هذا الى نقد الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات المالية الدولية مع مشكلة البلدان الفقيرة حيث يجادل رينيرت ان تاريخ التنمية الاقتصادية الذي مرت به الدول الغنية قد تم تجاهله لصالح نظريات لم تثبت صحتها فبعد انهيار جدار برلين وسقوط المعسكر الشرقي ظهرت نظرية نهاية التاريخ والتي تبشر بالسوق الحر في ظل العولمة. السوق الحر سيسمح بحسب منظرية اذا ما تم الاتجاه نحوه بتساوي كل دول العالم في الغنى و الرفاه  اذا ماتخصصت كل دولة في مجال اقتصادي يمكنها المنافسة فيه دوليا و هذا ما سعى رينيرت لدحضة في كتابة.
ضرورة الرجوع للتاريخ
ايريك رينيرت يرجع للتاريخ الذي يصفه انه المختبر الوحيد للعلوم الاقتصادية ويلوم المؤسسات المالية الدولية على تجاهلة فقد درج منظري نهاية التاريخ ومروجي السوق الحر على تشجيع الدول الفقيرة على التخلص من قطاعها الصناعي غير الكفؤ بحجة ان القطاعات الصناعية في الدول الفقيرة غير قادرة على المنافسة دوليا الا اذا ماتم حمايتها من قبل الدولة ضد منافسيها. حماية الدولة وتدخلها في الاقتصاد امر غير مرغوب فيه بتاتا لدى منظري السوق الحر الذي يرونه عقبه في طريق الانفتاح اللازم للدخول في عالم السوق الحر  لذا تنصح المؤسسات المالية العالمية كمنظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي عملاءها من الفقراء بالتخلي عن الحماية التي توفرها الدول النامية لصناعاتها  و التخصص في نشاط إقتصادي معين تتمكن من خلاله من منافسة الدول الاخرى وهو غالبا ما يعني ان تتخصص هذة الدول في انتاج المواد الخام سواء كانت ثروات معدنية او محاصيل زراعية  او توفير العمالة الرخيصة وبعد عشرين سنة من رواج موضة السوق الحر و أخذ العديد من الدول النامية بنصائح المؤسسات المالية الدولية اتسعت الرقعة الفاصلة بين الدول الغنية والفقيرة على عكس المبشر به من قبل. هنا يورد ايريك رينيرت تحليله لأسباب هذا الاخفاق من قبل المؤسسات المالية العالمية في رفع الفقر عن الدول الفقيرة و يذكر رينيرت ان هناك نوعين من الانتاج في علم الاقتصاد نوع ايجابي وهو الذي يزيد الدول غنى و إن كانت غير غنية بالموارد الطبيعية و نوع أخر سلبي وهو الذي يفقر دول الثروات. النوع الايجابي من الانتاج هو الانتاج ذو العوائد المتزايدة (increasing returns) وهو الناتج عن مجالات الصناعة والخدمات و النوع السلبي من الانتاج هو الانتاج ذو العوائد المتناقصة (diminishing returns) وهو الناتج عن الإعتماد على تصدير المواد الخام.  الانتاج ذو العوائد المتزايدة يعرف على انه الانتاج الذي يعمد على إعمال الابتكار لصنع بضائع بكميات اكثر و بتكلفة أقل اما الانتاج ذو العوائد المتناقصة فهو الانتاج الذي يعمد على استنزاف الثروات الطبيعية لانتاج كميات اكثر وبتكلفة أكبر و من خلال دراستة لتاريخ الدول الغنية في ايامنا هذه يجادل رينيرت ان كل هذة الدول اعتمدت على الانتاج ذو العوائد المتزايدة وان كل هذة الدول الغنية قامت بحماية صناعاتها ضد المنافسة الخارجية الى ان اصبحت قادرة على مواجهتها  وهو الأمر الذي تحرم منه الدول الفقيره اليوم بحجة ان مثل هكذا حماية تعني الابتعاد عن خيار السوق الحر الموعود. ويحذر رينيرت ان استمرار المؤسسات المالية العالمية في نهجها هذا سيسهم في جعل الدول الغنية متساوية في غناها والدول الفقيرة متساوية في فقرها وتخصصها الفقر بعد ان تنفذ منها الموارد الطبيعية التي جعلت كتخصصات في بداية الأمر و يذكر رينيرت ان هذا التساؤل الذي عنون به كتابة قديم و إجابته تكاد تكون معروفة الى ان تم نسيانها بعد سقوط جدار برلين!!  الايطالي انطونيو سيرا طرح هذا التساؤل في القرن الثالث عشر ميلادي لما البندقية التي تفتقر للموارد الطبيعية غنية!؟  بينما بقية المدن الايطالية الغنية بمواردها الطبيعية فقيرة!! والإجابة كانت ان الانشطة الاقتصادية في البندقية متنوعة وتعتمد في كثير منها على الفنون والصناعات (وبالتالي الابتكار) أي على الانشطة الاقتصادية ذات العوائد المتزايدة وهكذا الأمر في انجلترا حينما اصدر الملك في القرن ال15 قرارات بحماية صناعة الصوف الانجليزية لتتفوق على جاراتها اقتصاديا حيث انه بهذه الخطوة الحمائية أسس القاعدة لتطور القطاع الصناعي الانجليزي على المدى الطويل على عكس الاسبان الذين ما أن استعمروا الامريكيتين وانفتحت لهم خزائن الذهب تخلوا عن الصناعة واكثفوا بهذا المورد الثمين السهل وعلى المدى الطويل وبسبب افتقار اسبانيا للتصنيع لصالح الذهب والزراعة انهارت اسبانيا ولم تنهض و تلحق ببقية الدول الاوربية الا في القرن ال20 وانتهى المقام بهذا الذهب الاسباني الذي تنعمت به مؤقتا في هولندا و انجلترا والبلدان التي كانت تملك قطاعات صناعية. ويمر رينيرت على هولندا والمانيا وفرنسا ويثبت ان اقتصادياتها نهضت بسبب السياسات التي تعارضها منظمة التجارة اليوم.

امريكا نموذج تاريخي
ويشير رينيرت الى الولايات المتحدة وتطورها الاقتصادي بعد استقلالها عن انجلترا في القرن الثامن عشر حيث ارادت انجلترا للولايات المتحدة ان تبقى منبعا للمواد الخام وشجعت على استخراجها ونبذت كل خطط التصنيع وبعد ان نالت الولايات المتحدة استقلالها سعت بعض النخب فيها الى تحويل المجتمع من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي فسخر الانجليز من هذة الخطط الامريكية وحاولوا تثبيطها عن طريق (النصائح الاقتصادية) وشعار عدم القدرة على المنافسة ولعبت على وتر تضخم الدولة الحساس في امريكا الساعية الى الحرية والتي ترى في تدخلات الدولة في الاقتصاد عائق لها ولكن تيار قوي في الكونغرس الامريكي كان يقول لا تقوموا بما يقوله لكم الانجليز قوموا بما قام به الانجليز واستمر هذا الجدال في امريكا في القرن ال19 بين تدخل الدولة لتأسيس الصناعة وعدم تدخلها لصالح الزراعة التقليدية الى ان حسم الصراع في الحرب الأهلية بين الشمال الراغب في التصنيع والجنوب المكتفي بالزراعة لصالح الشمال ونهضت امريكا اقتصاديا. يقول رينيرت انه لو قدر ان انتصر الجنوبيين في تلك الحرب لأصبح حال امريكا إقتصاديا مشابه لحال المكسيك ودول امريكا الجنوبية.

أمثلة أخرى
يذكر رينيرت ان اليابان نهضت في القرن التاسع عشر بنفس الطريقة التي نهضت بها اوروبا في عصر النهضة الا وهي الإهتمام بالتصنيع والفنون فاليابان اهتمت بالتصنيع بسبب أفتقارها للموارد الطبيعية وكذالك حذت حذوها كوريا الجنوبية في النصف الثاني من القرن العشرين وكما يذكر ان استراليا لم تنخدع بنصائح المؤسسات المالية الدولية و واصلت دعمها لقطاعها الصناعي الغير كفؤ بحسب معايير السوق الحر وهي اليوم افضل حالا من الدول التي تخلت عن قطاعها الصناعي رغبة في إرضاء المؤسسات المالية الدولية. رينيرت يقول  ان الدول التي تنال إنتقادات المؤسسات المالية الدولية كالهند والصين أفضل حالا من الدول التي تحظى بالتقارير الجيدة من هذة المؤسسات.

خطة مارشال ودعم الصناعة
بعد الحرب العالمية الثانية ظهر نفس التساؤل الكبير الذي ظهر بعد الحرب العالمية الاولى كيف يتم التعامل مع الدول المهزومة؟؟  حيث ان تحميل المانيا في الحرب العالمية الاولى التعويضات الضخمة ادى الى تدمير الاقتصاد واتاح الفرصة لصعود النازية. فالنازية صعدت بعد ان ادارت ظهرها لكافة التزامات الحرب العالمية الاولى والتي لم يعد بمقدور المانيا تحملها وكثف النازيين من عملية الانتاج الصناعي لينتقموا لاحقا من اعدائهم.نتيجة لذالك ظهر في واشنطن رأيين حول كيفية التصرف مع اقتصاد اوربا المنهار بعيد الحرب العالمية الثانية رأي بقيادة هينري مورغنثاو وزير الخزانة الامريكية و الاخر بقيادة الفريد مارشال وزير الخارجية الامريكية. يقضي الرأي الذي يتزعمه مورغنثاو بمنع اوربا من اعادة بناء قطاعها الصناعي لتبقى دولا ضعيفة يسهل السيطرة عليها وبالفعل تم العمل برأي مورغنثاو لمدة سنتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية  الى ان استشعرت امريكا بقوة التهديد الشيوعي. بفضل التهديد الشيوعي استغنت امريكا عن فكرة تدمير اقتصاد دول المحور التي تدعمها خطة مورغنثاو واستبدلتها بخطة مارشال التي عملت على إعادة بناء الاقتصاد الاوربي عن طريق دعم التصنيع بقوة لمواجهة خطر الشيوعية ويشير رينيرت ان امريكا شكلت بتبنيها خطة مارشال  جدارا من الاقتصاديات القوية يحيط بعدوها الأول الاتحاد السوفيتي حيث تمكنت من خلق اقتصاد قوي في كل من المانيا الغربية وايطاليا وهي متاخمة للإتحاد السوفيتي في الغرب واليابان وكوريا في الشرق يشير رينيرت انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تعد امريكا في حاجة الى خلق اقتصادات قوية توقف الزحف الشيوعي ونتيجة لذالك حرمت دول العالم الثالق من تطوير قطاع صناعي فعال واقنعت بطريقة او بأخرى بالتخصص في تصدير المواد الخام و العمالة الرخيصة !!
يشير رينيرت الى ان دول المجاعات كأثيوبيا والسودان غالبا ما تكون اغنى في مواردها الطبيعية من عدة دول صناعية!! ولكن بسبب اعتمادها على تصدير المواد الخام وهي تمثل الانتاج ذو العوائد المتناقصة فهي تضل في حالة بؤس اقتصادي مزمن الكتاب غني بالأمثلة حول الدول التي عملت على خلق إنتاج ذو عوائد متزايدة و ازدهرت وبين دول اكتفت بغناها الطبيعي واندثرت!! يبدو ان بلداننا في الخليج ستواجهة نفس مصير اسبانيا قبل خمس قرون فقر بعد بحبوحه مزيفة أستفاد منها الغير!!
الكتاب جدا مفيد من حيث معرفة تاريخ التطور الاقتصادي لعدة بلدان و اتمنى ان يترجم للغة العربية ليستفاد من مادتة الدسمة.

هناك تعليق واحد:

  1. هل الكتاب مترجم ؟
    وهل استطيع ايجاده في اي مكتبة
    عندي سؤال ثاني هل قرأة عن كتب تسرد لنا قصة حرب معينه او انهيار دوله ...اهم شيء كتب حقيقيه وليست خزعبلات و شكرا :)

    ردحذف