الأربعاء، 20 أبريل 2016

لكي لا نضرب الوطن بالتاريخ

لكي لا نضرب الوطن بالتاريخ

فوجئنا كما فوجئ الكثير بالكلام الذي كتبه عبدالله حبيب حول ظفار و الذي استدعي على إثره الكاتب للجهات الأمنية بغرض التحقيق و لكني صدمت من الردود المعارضة له والتي أشعرتني بأن الخطاء الذي أقترفه حبيب هو تبنيه لقراءة معينه لدوافع ثورة ظفار لا دعوته الصريحه و النكراء لفصل جزء من الوطن بدعوى الحرية محاولا بذالك ان يضرب وحدة الوطن بالتاريخ بإجترار أحداث معينه منه.

دراسة التاريخ و مناقشته وتقديم قراءات جديده له أمر مطلوب وضروري لأخذ العبرة و إنتاج عقول أكثر توازنا و حكمة تسهم في بناء الوطن و تحقيق الطمأنينة لمواطنيه و لم أرى شخصيا في السرد الذي قدمه عبدالله حبيب لأحداث ثورة ظفار أي ضرر فكل ما كتبه بهذا الخصوص يمكن تفهمه في إطار تقديم روايه جديده او وجهة نظر مغايره للأحداث التي جرت في تلك الفترة ما استنكرته من كلام حبيب هو الدعوة التي ختم بها سرده هذا لإنفصال جزء عزيز من الوطن بدعوى الحرية و إرضاءا لزميلة المثقف الوطني الثوري الذي لا يرى نفسه عمانيا وهذا ما اكسبه تعاطف حبيب و جعله يطلق دعوته المشؤومه على الفيس بوك.
الخطورة في دعوة حبيب تكمن في إجترار التاريخ و محاولة تكييف الوطن الذي تقوم عليه الدولة الحديثة وفق هذا الإجترار السقيم للتاريخ فإذا كانت الأوطان تؤسس و تبنى بهذه الطريقة لما بقي لنا وطن يأؤينا نحن و أبناءنا تحت سقفه. فكما أن مفهوم عمان تاريخيا يتمدد الى ان يشمل قطر شمالا و المهره جنوبا في بعض الأزمنه فهو كذالك ينحسر ليشمل عمان الداخل فقط في أزمنه أخرى!! فهل يعني ذالك ان باب تأسيس أوطان جديده مفتوح على مصراعيه إرضاءا لعبدالله حبيب و صديقة المثقف النرجسي و أشباهه في كل أرجاء الوطن؟! 
عمان دولة مترامية الأطراف و مكونه من العديد من الهويات المحلية والتي تشكل مجتمعة النسيج العماني الثري والذي يليق بها كدولة ذات تاريخ عريق وحافل ومن الوارد او شبه المؤكد إن في كل هويه محليه من وطننا تجد أشخاص هم للعقد النفسيه أقرب من سلامة العقل الأمر الذي يجعلهم منكمشين على هذه الهوية المحلية متمسكين بها بشكل نرجسي يجعلهم ينكرون عمانيتهم وهذا لا يحدث في ظفار فقط بل في أغلب مناطق الوطن العماني دعنا لا ننسى مثلا ان المسمى الرسمي للدولة قبل حكم جلالة السلطان كان مسقط و عمان وان أهل مسقط خصوصا كانوا يصنفون على انهم مسقطيين والى اليوم تجد رواسب من هذا الفصل عند بعض كبار السن في مسقط و مطرح بل ان بعض سكان مطرح كانوا محسوبين كرعايا لحكومة الهند البريطانية نتيجة العلاقة التجارية و التاريخية بينهم وبين الهند وهم من ناحية الثقافة و التركيبة أقرب للهند منه لليمن او الخليج التي قسم عبدالله حبيب تركيبة الوطن بينهما!!!  

لا شك في ان ما أورده حبيب في سرده التاريخي لأحداث ثورة ظفار يحمل قدرا من الصحة فلا يمكن ان نصدق ان جميع الثوار على نسق واحد ناصريين او ماركسيين او حتى إنفصاليين بل لا شك انهم كانوا مزيج من ذالك كله يجمعهم هدف إسقاط حكم السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله و تفرقهم الغاية من إسقاط هذا الحكم و لكن الأكيد ان معظم هؤلاء الثوار اجتمعوا تحت راية قائد النهضة المباركة في بناء الدولة الحديثة و التي ننعم اليوم في ظلها بهذا الأمن و قدر كافي من الطمأنينة ومن واجب الجميع ان يبني على هذا البناء الصلب لنزداد رفعة و رقي.

التاريخ لا يهدد الأوطان ما يهدد أمن و سلامة الأوطان هي دعاوى التجزئة و الإنفصال المموهه زورا بأسم الحريه إشباعا لرغبات و أوهام قله قليلة من المواطنين (النفسيات)

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

القومية البلوشية أصولها و تطورها


كتاب القومية البلوشية أصولها و تطورها يسعى لعرض مسيرة الشعب البلوشي و حركتة القومية الهادفة الى إقامة كيان سياسي يمكنه من الحفاظ على هويته القومية في مواجهة جيرانه الايرانيين و البنجابيين والذين يحكمون الآن أراضي بلوشستان التاريخية. مؤلف الكتاب هو الدكتور تاج محمد بيرسيك من مواليد مكران في بلوشستان ايران حصل على دراسته الجامعية من كراتشي في باكستان ليهاجر بعدها فالثمانينيات الى السويد ليعمل محاضرا للغتة الأم البلوشية في الجامعات الأوربية ليحصل بعدها على الدكتوراه من جامعة لندن سنة 2002 و مثل هذا الكتاب أطروحته للحصول على هذه الشهادة العليا. قام بترجمة الكتاب الى اللغة العربية الباحث العماني أحمد بن يعقوب الهوتي وهو باحث مهتم بالقضية البلوشية أخرج الى حد الآن ثلاث كتب حولها ومن ضمنها هذا الكتاب.

أصل البلوش
يعتقد المؤلف انه بسبب موقع البلوش على مفترق طرق فهم لا ينحدرون من سلالة واحدة و لكن اساطيرهم القديمة تشير الى ان لهم أصل مشترك يختلفون فيما بينهم في تحديده حيث يرجعة البعض الى قريش مفاخرين بذالك بالقرابه مع النبي كالكثير من الشعوب الإسلامية بينما يطرح البعض نظرية انحدار البلوش من بيلوس او النمرود الملك البابلي القديم و يقدم المترجم طرح أخر يتلخص في ان البلوش يتحدرون من منطقة ما بين كيلان في ايران و وكردستان أستنادا على الأصل اللغوي المشترك للغتين الكردية و البلوشية المنتميتان الى عائلة اللغات الايرانية. و يشير الى انه اي كان أصل البلوش فأنهم تمكنوا من خلال العيش في نطاق جغرافي معين لما يزيد عن الثلاثة الاف عام تمكنوا من تشكيل هويتهم الخاصة التي تؤهلهم لإعتبار نفسهم شعب مستقل متمايز عن الشعوب المجاورة بثقافة و لغة و تاريخ خاص.

التاريخ السياسي البلوشي
عاش البلوش كقبائل متفرقة في أغلب فترات تاريخهم الا ان هذا التاريخ لا يخلوا في بعض فتراته من تكون دول بلوشية توحد قبائل البلوش لتعطي دفعة جديدة في تشكيل الوعي القومي البلوشي. و تشير المصادر الشفهية البلوشية انه تم تشكيل اول فيدرالية بلوشية توحدت من خلالها قبائل البلوش في القرن الثاني عشر الميلادي بقيادة مير جلال هان والذي يعتبر الوالد المؤسس للأمة البلوشية وحسب الروايات البلوشية فأن هذة الفيدرالية تفككت بمجرد وفاتة ليحكمها خمس حكام هم أبنائه رند و لاشاري و كورائي و هوت وابنته بيبي جتو حيث أختل بعدها النظام السياسي للبلوش تحت وطأة ظرب الغزاة المغول في القرن الثالث عشر. لتقوم بعدها إمارة أخرى عرفت تاريخيا بكونفدرالية الرند و اللاشار برئاسة مير جاكر رند في القرن الخامس عشر الميلادي و على الرغم من ان هذه الإمارة تعد علامة فاصلة في التاريخ البلوشي وانتشار اللغة البلوشية من خلال الملاحم المتجسدة في الروايات و الأشعار المخلدة لمناقب هذة الإمارة الا ان لغة بلاط الأمير مير جاكر كانت الفارسية. و في القرن السابع عشر الميلادي ظهرت خانية بلوشستان او كما تسمى ايضا دولة كلات التي استطاعت ان توحد البلوش تحت سلطة حكومة مركزية بقيادة مير أحمد الأول كخان لكلات اي حاكم على كافة القبائل البلوشية بقرار من الجيركا او مجلس شيوخ القبائل و في القرن الثامن عشر حكم دولة كلات نصير خان الأول و التي بلغت الدولة البلوشية في عهده أوج نفوذها و ذروه مجدها لينظم الى مير جلال هان و مير جاكر رند كأحد أبرز حكام البلوش و قادتهم عبر التاريخ. و بحسب الباحثين البلوش كان نصير خان أول حاكم بلوشي يولي إهتمامة للسياسة الخارجية حيث تبادل السفراء مع ايران و افغانستان و إمام عمان و العثمانيين. ومع وفاة نصير خان عام 1795م بدأ تدهور السلطة المركزية لصالح زعماء القبائل الى ان وصلت القوات البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر بعد أن شعر البريطانيين ان بلوشستان يجب ان تخضع لسيادتهم المباشرة لكي لا تستغل من قبل القوى الإستعمارية الأخرى لتهديد نفوذها في الهند و خصوصا الروس. كبلت بريطانيا خانات كلات بعدة اتفاقيات توجت في عام 1877م بإنشاء وكالة بلوشستان و تعيين روبرت ساندمان رئيسا لها لتنتقل السلطة الحقيقية و المباشرة في يد البريطانيين عبر وكلائها السياسيين و تجريد الخان من نفوذه التقليدي.

نظام ساندمان
عمل روبرت ساندمان على إنشاء نظام يمكنه من إقامة علاقات مباشرة مع زعماء القبائل البلوشية و الحصول على ولائهم و تجاهل الخان نتيجة لذالك. كما عمل النظام على منح السردارات او زعماء القبائل امتيازات تحول على إثرها زعيم القبيلة او السردار من وضع الأول من بين متساوين الى وضع الحاكم و الرعية و نجح بذالك من خلق فجوة بين أبناء القبائل و زعمائهم مما جعل الأخيرين رهن إشارة البريطانيين و أكثر إعتمادا عليهم. ومن هنا منيت حركات المقاومة البلوشية ضد البريطانيين بالفشل نتيجة إحكام البريطانيين قبضتهم على النظام القبلي البلوشي من خلال نظام ساندمان.

بلوشستان الغربية (الايرانية)
بعد وفاة نصير خان كما أسلفنا ضعفت سلطة الخان لصالح زعماء القبائل و اضمحلت سلطة الخان في بلوشستان الغربية. وفي عام 1869م اقترح شاه فارس ترسيم الحدود بين فارس و بلوشستان وعقد على إثر هذة الدعوة مؤتمر لترسيم الحدود شارك فيه وفد من دولة كلات الى جانب البريطانيين و الفرس ولكنه تم تجاهل مطالب البلوش ممثلين بوفد كلات بالسيادة الكاملة على كافة أراضي بلوشستان و انتهى المؤتمر بإقرار سيطرة فارس على بلوشستان الغربية على الرغم من رفض وفد الخانية لذلك وفي عام 1896م و بعد أغتيال نصير الدين القاجاري شاه فارس دخلت البلاد الفارسية في فوضى سياسية شجعت بعض زعماء القبائل في بلوشستان الغربية على إعادة نفوذهم والقيام بثورات ضد الحكم الفارسي و تمكنت الحكومة القاجارية من هزيمة الثوار البلوش عام 1898م بعد عدة معارك خاضتها ضد الثوار و على الرغم من ذالك لم تعد سلطة القاجاريين بنفس القوة التي كانت عليها قبل ثورة 1896-1898م و ظهر على المشهد القبلي زعيم تمكن من توحيد العديد من قبائل بلوشستان الغربية تحت قيادتة يدعى مير بهرام خان بعد ان واجهة الانجليز و العديد من الزعماء المحليين الموالين لهم وافق بهرام خان على ايقاف تهديداته على مناطق نفوذ البريطانيين في بلوشستان الشرقية مقابل الاعتراف به كحاكم فعلي على بلوشستان الغربية. توفي مير بهرام خان سنة 1921م و خلفه  ابن اخيه مير دوست محمد خان الذي لقب نفسه شاه بلوشستان و عزز من موقعة عن طريق تحالفات و مصاهرات اقامها مع العديد من قبائل بلوشستان الغربية و بدأ في تشكيل جيش بلوشي حديث ولكن الوقت لم يسعفه لإستكمال مشاريعة الطموحة ففي عام 1925م اعلن رضا خان نفسه شاها على ايران منهيا بذالك حكم القاجاريين واتخذ لعائلته أسم بهلوي و قام بعدها بإخضاع الحكام الشبه مستقلين لسلطة حكومتة المركزية في طهران و بعد ان تمكن من القضاء على حكم الشيخ خزعل في عربستان التفت رضا بهلوي لمير محمد دوست و طالبه والزعماء البلوش بالخضوع لسلطة طهران المركزية رفض مير دوست الخضوع و ارسل رضا بهلوي جيشا لبلوشستان الغربية سنة 1928م نجح في التخلص من الحكام المستقلين واخضاع مناطقهم للحكم المركزي بعد سبعة شهور من المعارك الضارية. حاول مير دوست ان يلجاء لحرب العصابات دون تحقيق نجاح يذكر حيث القي القبض عليه وتم إعدامه في طهران سنة 1931م. مارست ايران سياسة تفريس البلوش في العهد البهلوي على غرار سياسة تتريك الاكراد في العهد الجمهوري التركي و قد كان يتم تدريس البلوش في المدارس الايرانية ان البلوش هم فرس في الأصل العرقي. تعاطف معظم المثقفين البلوش مع الثورة الإسلامية ولكنهم صدموا بالدستور الجديد الذي لم يمنحهم ما يطمحوا اليه من اعتراف بحقوقهم كقومية وعاد الوضع على ما كان عليه ايام الشاه من جانب اخر قام العراقيين بدعم بعض سردارات البلوش الموالين للشاه للقيام بثورة مسلحة ضد نظام الخميني ولكنها بأت بالفشل كغيرها من حركات التمرد السابقة.

بلوشستان الشرقية
ظهرت في بلوشستان الشرقية بعد تكون طبقة من الشباب البلوش المثقفين نتيجة دراستهم و خدمتهم في المدارس والمصالح التي قام البريطانيين بإدخالها بشكل محدود أثناء فترة سيطرتهم على بلوشستان عدة حركات سياسية تهدف الى تغيير الاوضاع تحت الاستعمار البريطاني نحو تأكيد إستقلال بلوشستان عن الهند الكبرى بصفتها أرض لقومية مستقلة تاريخيا كالنيبال و أفغانستان. لم تلقى مطالب البلوش آذان صاغية من قبل البريطانيين ولا من قبل اخوتهم المسلمين في دولة باكستان الحديثة حيث قام الباكستانيين بضم بلوشستان الشرقية لهم في مارس 1948م و أجبر الخان على التوقيع على وثيقة الإندماج بعد ان خذله معظم سردارات القبائل اصحاب النغوذ الأقوى لدى البلوش. تميزت فترة ما بعد الاستعمار بإستئثار البنجابيين بمفاصل الحكم في بلوشستان قامت على إثرها عدة حركات تمرد بلوشية ضد الحكومة المركزية. و في عام 1972م و نتيجة لهزيمة باكستان في حربها مع الهند و إنفصال باكستان الشرقية لتصبح دولة بنغلاديش خففت السلطة الحاكمه في اسلام اباد من قبضتها الحديدية و توجهت لإعطاء الأقليات ومن ضمنهم البلوش بعض من صلاحيات الحكم الذاتي ولكنها سرعان ما تراجعت عن ذالك وقامت بتقويض ما منحته للبلوش من حكم ذاتي محدود و قام البلوش على إثر ذالك بثورة أستمرت لمدة اربع سنوات 1973-1977م قام الجيش الباكستاني بإخمادها بمساعدة عسكرية و مالية سخية من شاه ايران الذي كان يخشى ان يؤثر الشعور القومي البلوشي المتوهج في باكستان على بلوش بلاده. و في المقابل قام العراقيين بدعم الثوار البلوش في تلك الفترة نكاية بإيران و القوى الغربية من خلها ولكنه سرعان ما توقف الدعم العراقي للثوار البلوش سنة 1975م بعد ان توصل شاه ايران محمد رضا بهلوي و نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الى اتفاقية الجزائر التي جمدت الخلافات بين بلديهما في ذالك الوقت.

هذا مختصر ما أستفدناه من خلال قراءة هذا الكتاب و يبدو  لنا هنا ان التواجد العماني في سواحل مكران لم يكن ذا أهمية كبرى بالنسبة لمؤلف الكتاب حيث وردت إشارة جانبية بسيطة عن موضوع بيع السلطان سعيد بن تيمور لجوادر تشير الى ان احد زعماء البلوش عارض هذه العملية وطالب بأستفتاء سكان جوادر على هذا الأمر كما انه لم ترد الإشارة الى كيفية دخول جوادر ضمن الحكم العماني في عهد السيد سلطان بن أحمد ولا عن أستعانة الحكام العمانيين بالبلوش كجنود منذ عهد اليعاربة و لا ندري هل يرجع الأمر لما يبدو انه توجه قومي لصاحب الكتاب و محاولة التركيز على تاريخ البلوش الخالص دون الإلتفات الى العلاقات التي تربطهم بالشعوب المجاورة و بينهم العمانيين ام ان هذه الأحداث فعلا لا تشكل أهمية تذكر في سياق التاريخ العام للبلوش؟؟
و السلام ختام
 

الأربعاء، 30 يوليو 2014

هل نحن أهل للديمقراطية؟؟



كتاب الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي بعنوان هل نحن أهل للديمقراطية؟ قام بكتابتة في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في العام 2001م وخرج من تونس بسبب ما تعرض له من مضابقات بعد كتابة هذا الكتاب. قدم المنصف المرزوقي كتابة هل نحن أهل للديمقراطية؟ في طبعته الجديدة وهو رئيسا للتونسيين مقيما في بيت التونسيين (قصر قرطاج الرئاسي سابقا) مكمن الإثارة في كتاب هل نحن نستحق الديمقراطية؟ هو أن كاتبه يجلس الآن على سدة الحكم والتي وصل إليها عن طريق التفاهم مع تيار الإسلام السياسي الذي أكتسح الإنتخابات في تونس من حيث انه  يختلف معه أيدلوجيا بشكل كبير و واضح. ينقسم كتاب المرزوقي هل نحن أهل للديمقراطية؟ إلى ثلاثة أجزاء.

الديمقراطية لكل الشعوب
 الجزء الأول منه حول السؤال(العنوان) حيث يعتقد المرزوقي أن السؤال بحد ذاته خبيث حيث قامت بعض النخب الاستعلائية الغربية بطرحة استصغارا لكل الشعوب الأخرى وترسيخا لنظرية التفوق العرقي الغربي. يذكر المرزوقي في الجزء الأول أن بعض الشعوب الأوربية واجهت هذه النظرة الاستعلائية في الربع الأول من القرن العشرين و يطرح المرزوقي ايطاليا و اسبانيا مثالا على ذالك حيث بررت النخب الأنجلو-سكسونية فاشية كلا من موسليني وفرانكو في الربع الثاني من القرن العشرين بعدم أهلية الشعبين الايطالي والاسباني للديمقراطية نظرا لتراثهما الكاثوليكي الاستبدادي الخالص بعكس الدول الأوربية الأخرى التي وفر لها تراثها البروتستنتي مساحات أكبر من الحرية جعلت شعوبها أكثر أهلية للديمقراطية!!  طبعا النخب الغربية من وجهة نظر المرزوقي ارتاحت لهذه النظرية لسهولة تحقيق مصالحها مع دول استبدادية مقارنة بدول غربية ديمقراطية تستعصي على الفساد و المفسدين و يشير المرزوقي إلى أن هذه النظرية تلاشت بعدما تحولت ايطاليا و اسبانيا الى دول ديمقراطية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى حسب المقاييس الغربية خلال أقل من ثلاث عقود من رواج نظرية عدم صلاحية الديمقراطية لهذه البلدان بسبب التراث الكاثوليكي!! و يرى المرزوقي أن نظرية الاستبداد الشرقي قابلة للتلاشي في الدول العربية و الإسلامية كما تلاشت نظرية التراث الكاثوليكي المعيق للديمقراطية في ايطاليا و اسبانيا.

الإجابات المثبطة
الجزء الثاني جاء بعنوان إجابات تثبيط العزائم على السؤال العنوان هل نحن أهل للديمقراطية؟ حيث يعتقد أن مقولة التدرج في مقدمة إجابات التثبيط يرى المرزوقي أن الديمقراطية لا يمكن أن تقسط و مقولات التدرج ما هي إلا محاولة من أعداء الديمقراطية لحماية مصالحهم منها و تأخير قدومها قدر المستطاع ويرى المرزوقي إن الإجابة المثبطة الثانية هي الإجابة التي يتشدق بها الإسلاميين التي تقضي بأن حكم الإسلام أفضل من الحكم الديمقراطي الغربي النابع من الثقافات الكافرة و يرد المرزوقي على الشيخ عبدالسلام ياسين الإسلامي الناقد للنظام الديمقراطي بأن الشيخ يخلط السم بالعسل في تضخيم بعض نقاط ضعف النظام الديمقراطي المتمثل بسوقية الانتخابات وتضليل شركات العلاقات العامة للرأي الشعبي لصالح عملائهم ويرى المرزوقي إن هذه السلبيات ذات تأثير قليل ولا تستحق كل هذا التضخيم المبالغ فيه لتلميع الخيار الإسلامي المتصور ولكن المرزوقي اثنى على وجهة نظر الشيخ راشد الغنوشي (شريكة الحالي في الحكم) التي تعتبر الديمقراطية اقرب صوره لتطبيق الشورى الصحيحة والتي حث عليها الإسلام و لا نعلم بالتحدبد هل ورد هذا الثناء قبل التحالف مع الغنوشي أم بعده.

آليات متعددة
 أما الجزء الثالث فقد عنونه المرزوقي بالنضال والتحدي حيث يحاول المنصف المرزوقي أن يثبت فيه انه لا يوجد شعب لا يستحق الديمقراطية أو غير مؤهل لها. يرى المرزوقي أن الديمقراطية عبارة عن آليات في خدمة أهداف تنبثق من قيم ولابد من أن تكون هذه الأهداف واضحة لتفصيل الديمقراطية مناسبة لكل شعب. يشارك المرزوقي الشيخ ياسين انتقاده للعملية الانتخابية في الغرب التي يطغى عليها سيطرة رؤوس الأموال وتلاعبها بالطبقات المحتاجه ويقترح بعض الحلول لتجاوز هذا الاستغلال للجماهير ومن ضمن هذه الحلول حل ذكرني بتقاليد انتخاب الإمام في عمان القائم على الترشيح لا الترشح يرى المرزوقي أن الشعب يجب أن يرشح ممثليه لا أن ينتخب من بين مترشحين متنفذين في الغالب و يحظون بدعم رؤوس الأموال وتتلاعب بالشعب. يقترح المرزوقي أن تتم الترشيحات الشعبية على مستوى التجمعات السكنية الصغيرة في اقتراع سري لترشيح احدهم لتمثيلهم على مستوى التجمع الذي سيقوم بدورة بترشيح شخص لمجلس المدينة والذي سيقوم بترشيح عضو برلمان و عضو البرلمان سيقوم بترشيح احد زملائه للرئاسة على أن يعرض المقعد التمثيلي (المحلي أو البرلماني أو الرئاسي) للشخص الثاني من حيث عدد الترشيحات في حال اعتذر الفائز الأول بأصوات الجماهير المرشحه له عن قبول تكليف الجماهير. شخصيا اعتقد أن المنصف المرزوقي يحلم بنظام ديمقراطي نخبوي يتجنب استغلال حرية المحتاجين ولكنه لا يصرخ بذالك احتراما للشعارات الثورية التي تتغنى بوعي الجماهير!!

أفكار غير تقليدية
المرزوقي معجب جدا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويقول انه يجب أن يكون مرجعية للدساتير وأعلى منها ويرفض مقولة الخصوصية ويرى إلغاء عقوبة الإعدام من حيث أنها عقوبة وحشية و موروثة من عصور التخلف و الاستبداد.

الاثنين، 24 فبراير 2014

إختطاف الشخصية الصورية خطر على النسيج العماني



في عام 1835م زار الرحالة البريطاني جيمس ويلستد صور و من ضمن مشاهدات هذا الرحالة ان بيوت صور عبارة عن مجموعة من الأكواخ المشيدة بإستخدام سعف النخيل كما ذكر أن البيوت الطينية الوحيدة كانت مبنية فالسوق و الذي يبعد عن الساحل مسافة ميل و نصف و من الواضح من خلال وصفة للسوق انه يقصد منطقة بلاد صور التي يبدو انها كانت تشكل مركز المدينة في ذالك الوقت و يذكر ولستد ان هذة البيوت الطينية علاوة على صغرها كانت مسكونة من قبل مجموعة من التجار الهنود و ينهي ولستد وصفه الباهت لهذة المدينة مما يوحي انها لم تكن متميزة كثيرا عن بقية المدن الساحلية العمانية و أقصى ما يمكن وصفها به انها ميناء لمنطقة جعلان كما ذكر ولستد نفسة ولكن بعد هذة الزيارة بأقل من قرن أصبح هذا الميناء المحلي محطا لتنافس القوى الإستعمارية لا بسبب ثرواته الطبيعية فصور ببحرها و برها قاحلة لا تحتوي على ما يثير طمع هذه القوى العظمى  فلم تكن أحلام النفط قد راودت الخيال الإستعماري بعد و لا بسبب موقعها الإستراتيجي فموقع مسقط و مطرح أفضل من الناحية الإستراتيجية و ميناءهما أعمق من ميناء صور بل أن حتى موقع رأس الحد أفضل من موقع صور إستراتيجيا من حيث انها أقرب نقطة في شبة الجزيرة العربية لشبة القارة الهندية.

الذي دفع بهذة القوى الإستعمارية للتنافس على صور هي ما يمكن ان نسمية الشخصية الصورية التي تمكنت بدهاء من الإستفادة من التنافسات بين القوى الإستعمارية لصالحها و خلقت ما يعرف بقضية الأعلام الفرنسية لتتمتع بأكبر قدر من الحرية  والتي ستجعل هذا اللسان الرملي القاحل التي اتخذتة هذة الشخصية الصحراوية البحرية مسكنا لها يستحضر تاريخ هذة المدينة الفينيقي المنسي بعدما مرت بفترة إضمحلال وخف وهجها قي كتب التاريخ فترة من الزمن فها هو الشيخ سالم بن حمود السيابي المؤرخ المعروف يصف صور "انها من أفخر بلاد و أقدمها عمرانا!!" كما يصفها الشيخ محمد بن عبدالله السالمي صور " من أفخم المدن العمانية عريقة في القدم و يعتبر تاريخها تاريخ أمة كاملة!!"  والأخير أقام في صور راغبا في حصول أبنائة على تعليم نظامي في أول مدرسة أهلية أسسها أهالي صور في الأربعينيات من القرن الفائت و في ذالك دلالة رمزية لا يمكن إهمالها فالشيخ محمد السالمي أحد علماء عمان كما انه أبن نور الدين السالمي أحد أكبر علماء عمان و المؤسس الروحي لدولة الإمامة الأخيرة أي انه كان بإمكانة ان يعلم ابنائة بنفسة و لكنه فضل ان يتعلم ابناءة في هذة المدرسة النظامية الصورية الجديدة.

بل ان كتابات الغربيين انفسهم تشي بمدى التغيير الذي طراء على هذة المدينة و أهاليها خلال أقل من قرن فلم تعد بيوت صور عبارة عن أكواخ من سعف النخيل فقط و لكنها اصبحت تضم العديد من البيوت الطينية الواسعه و الجميلة و أصبحوا أهل صور يوصفون بأنهم أكثر وعيا و إطلاعا من بقية السكان بل ان أحد المبشرين من الإرسالية الأمريكية و الذي زار صور في نهايات عشرينيات القرن الفائت يتحدث عن بذخ أهل صور مقارنة ببقية سكان عمان كما يذكر انه بعد ان يفرغ من أحاديثة الدينية الساعية لجذب المستمعين للديانة المسيحية يبادرة أهالي صور بسؤالة عن أخبار الأزمة المالية في أمريكا!! ليفهم ان أستماعهم له و صبرهم عليه لم يكن سوى مجاملة و أن أهتماماتهم الحقيقية تجارية بحتة.

يمكن القول أن هذة الإهتمامات التجارية هي المبلور الرئيس للشخصية الصورية حيث تبدوا غيرها من العوامل  كالجغرافيا و القبيلة و المذهب غير ذات أهمية أمامها فجغرافيا تقع صور فالطرف الشرقي من سلسلة جبال الحجر و ليست منعزلة جغرافيا كظفار على سبيل المثال أما قبليا فالصوري الجنيبي يجد نفسة أقرب للصوري السناني مثلا في شخصيتة من أبناء عمومتة في مناطق البادية الحدرية  وكذا هو الحال بين السناني و أبناء عمومتة في قريات و هو ما يثبت أن الشخصية الصورية لم تكن نتاج عصبية قبلية إنعزالية. أما مذهبيا فلم يكن أهل صور متشددين في هذا الجانب لأنهم أصلا لم يكونوا متشددين في تدينهم مكتفين بالتدين الفطري السليم و البعيد كل البعد عن فذلكات التشدد و شكلياته وعلى الرغم من أن صور عرفت بكثرة مساجدها و حب أهاليها لبنائها تقربا لله عزوجل لم تشهد صور تواجد قيادة دينية مؤثرة لا لعدم إستطاعة أهل صور إستضافتها بل لعدم تواجد البيئة المناسبة لمثل هذة القيادات المتشددة في صور فأهل صور أكتفوا بإستضافة بعض السادة للإستفادة من علومهم الشرعية في مجالات المواريث و الزواج و الطلاق و التوثيق لا أكثر ولا أقل ولم ينظر يوما أهل صور لهؤلاء بصفتهم قادة سياسيين محتملين كما لم يتدخل هؤلاء في الأمور العامة للمدينة. كما أن صور لم تكن يوما مستقلة سياسيا اذا ما قارناها بإمارات ساحل عمان و الخليج العربي و التي أسهم إستقلالها في بلورة شخصيات سكانها بشكل مغاير عن جيرانها حماية للنزعة الإستقلالية السياسية. أذن فالشخصية الصورية التي ورثت شغف التنافس من أصولها البدوية و أكتسبت المرونة من إحتكاكها بالبحر وصارت متميزة في كل شي بدء من لهجتها و ملبسها و طعامها و فنونها و مسكنها إنتهاءا بطريقة تفكيرها البراغماتية. لا يفهم من هذا ان الشخصية الصورية لا تمت بصلة للهوية العمانية بل هي جزء منها داخله في نسيجها  ولكنها شديدة التميز لسبب فريد و هو  ان تميزها لم ينبع من عزلة جغرافية او قبلية او مذهبية او حتى إستقلال سياسي ولكن من روح الريادة التي سطرها ربانبة البحر والتي اسهمت عبر أجيال في بلورتها بالشكل الذي عرفت به.

هذا الشخصية الصورية المتميزة في الإطار العماني على وشك ان تختطف اليوم من قبل بعض ممن انزلقوا نحو حفرة التمذهب البغيض بسبب إنقطاع أهل صور عن روح الريادة التي اورثتهم هذة الشخصية التي يفاخرون بها هذا الإنقطاع كان أمرا طبيعيا خارجا عن إرادة أهل صور و الحكومة معا فمع ظهور النفط فالخليج و توفر المهن الأقل خطورة لإبناء صور مع الرواتب المجزية بدأ مشوار النهاية لهذة الروح الريادية الصورية حيث أستمر الأسطول الصوري في التقلص وهجر أهل صور البحار و في نفس الوقت الذي افتتح فيه طريق مسقط صور في سبعينيات القرن الفائت تم إغلاق الباب بين بحر الريادة و صور وإنكفى أهل صور في مدينتهم التي لم تعد مدينة ساحلية عادية كما وصفها ولستد في بدايات القرن ال19  و لكن مدينة متميزة يفاخر أبناءها بتميز شخصياتهم الموروثة من اجدادهم. الشخصية الصورية و بعد إنقطاعها عن الروح التي بلورتها تعرضت كما تعرض مجمل العالم الإسلامي للفحات ما يسمى بالصحوة الإسلامية و هي التي طرحت نفسها بديلا عن الفكر القومي الخائب. لم يكن تأثير هذة الصحوة بالغا على الشخصية الصورية في فترة الثمانينات و التسعينيات حيث أن أغلب شباب تلك الفترة إما ما زالوا يحملون رواسب من الفكر القومي الناصري او انهم منخرطين في عملية التنمية الحديثة في البلاد دونما ادنى إهتمام بهذة الأمور.

بدأت إنطلاقة هذة الصحوة في عمان و التي هي حقيقتها غفوة مع انفجار ثورة الإتصالات حيث اصبح إعلام هذا الفكر المسمى إصطلاحا بالصحوي أكثر قربا و تواصلا مع متابعية من ذي قبل و أصبح الكثير من الشباب الصوري يرى في هذة التمترس خلف المذهب و الذي كان نتيجة لهذة الصحوة  تبريرا لتميز شخصياتهم بعدما انقطعوا عن السبب الحقيقي لهذا التميز ومن هنا فأن الشخصية الصورية في طريقها للإختطاف من قبل هذا الشبح الصحوي المذهبي فلم يعد الصوري يرى أنه متميز لأنة صوري و لكنه يرى أن الصوري مختلف لإنه سني!! . وهذا مؤشر صريح أن النسيج العماني ليس ببعيد عن خطر مقص الطائفية مهما تغنينا بغير ذالك و لولا حكمة قائد هذا البلد الذي ينأى في كل سياساتة عن مما شأنة أن يثير الحساسيات المذهبية لتهدد هذا النسيج بالفعل بسبب هذة الموجات المذهبية العارمة التي تعصف بالمنطقة وما البحرين و الكويت عنا ببعيد.

شخصيا أرى انه لا توجد حلول سحرية لكي نحمي مجتمعنا العماني المتنوع من هذا الإختطاف المخيف و لكنني اعتقد انه بشكل عام يجب أن نتجه على الصعيد السياسي بشكل أقوى نحو اللامركزية فبذالك تزداد الشفافية و الوضوح في إدارة الشأن العام و يقل بشكل كبير رواج الأفكار المؤامراتية التي تنمو في بيئات العمل المركزية و تتغذى عليها الطفيليات المذهبية و تتاح الفرصة لأبناء الولايات بالمساهمة بشكل فعال في إدارة شؤون ولاياتهم وفق ضوابط معينة تكفل عدم الإنجرار للنزاعات القبلية و المذهبية تحت ظل حكومة قوية و رقابة برلمان نخبوي متخصص ينتخب من قبل هيئات متخصصة من قطاعات عدة تضع في عين الإعتبار مصلحة قطاعها ولا تنخدع بالشعارات الجوفاء من أي ايدلوجية كانت. بذالك ينشغل ابناء كل مدينة في تنمية مدنهم والتنافس الإيجابي في ذالك وخير دليل على خدمة اللامركزية للتنوع الإيجابي وتعزيزة سويسرا التي تحتوي على عدة قوميات بلغات مختلفة كما ان كل الدول الأوربية لا يقل نظام الإدارة المحلية فيها أهمية عن البرلمان من حيث انه الدعامة الأساسية للأمركزية الضرورية لإنجاح التجربة الديمقراطية.
ندعوا الله أن يحفظ صور و كل مدن و قرى عمان من شرور المذهبية البغيضة.

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الكويت من الإمارة الى الدولة ذكريات العمل الوطني و القومي

كتاب الكويت من الإمارة إلى الدولة ذكريات العمل الوطني والقومي للدكتور أحمد الخطيب السياسي الكويتي المعروف.  أحمد الخطيب لمن لا يعرفة هو سياسي مخضرم في الكويت وعضو في المجلس التأسيسي في الستينات وهو المجلس الذي حدد معالم الديمقراطية وآلياتها في الكويت ودائما ما يحب الدكتور أحمد الخطيب أن يصنف نفسة كمعارض وهو كذالك فهو معارض للحكم التقليدي الذي يسمية حكما عشائريا ويعمل على ان تتجاوزة الكويت منذ بدأ نشاطة السياسي. هذة المعارضة الدائمة للدكتور أحمد الخطيب ظهرت في الاحداث التي مرت بالكويت مؤخرا حيث انه اصطف الى جانب المعارضة على الرغم من إختلاف الايدلوجيا بينه وبين أغلب الوجوة البارزة في هذة المعارضة. الكتاب يأتي على شكل مذكرات يشرف عليها الدكتور غانم النجار وهو يغطي الفترة من ولادة أحمد الخطيب الى فترة السبعينيات.
شكر و وفاء
يبدأ الدكتور أحمد الخطيب كتابة بشكر و وفاء لكوكبة من رجالات الكويت الذين ضحوا في سبيل بناء الدولة الحديثة بوضع صورهم في الصفحات الأولى هؤلاء الرجال الذين يشكرهم أحمد الخطيب هم اعضاء تجربة المجلس التشريعي التي قامت في الكويت سنة 1938 الى 1939 في عهد الشيخ  أحمد الجابر الصباح (والد الأمير الحالي) المجلس التشريعي هذا سحق بقوة على يد أحمد الجابر بمساعدة القبائل التي ارسلتها السعودية لمعاقبة وترويع المؤيدين لهذة التجربة من هنا نلاحظ النظرة السلبية لدى الدكتورأحمد الخطيب اتجاه النظام السعودي بصفتة العقبة الأكبر في وجه التحول من الحكم العشائري الى الدولة في الخليج العربي. يذكر الدكتور أحمد الخطيب أن أحد أهم الأسباب التي دعته لكتابة المذكرات التدجيل والتزوير الذي تعرض له تاريخ الكويت لصالح العائلة الحاكمة  ويرى انه تم الغاء دور الكويتيين مما أثار أشمئزاز الكثير من الكويتيين وهو منهم.
البدايات
ولد الدكتور أحمدالخطيب في حي الدهلة في وسط الكويت سنة 1928 لأسرة متواضعة الدخل وعمل والدة وجدة كمقاتلين دفاعا عن الكويت يذكر الدكتور  أن والده خسر يدة وأصيب في رجلة في أحد المعارك دفاعا عن الكويت وما أن عاد حتى تم قطع راتبة لانه لم يعد قادرا على حمل السلاح!! قطع الراتب الذي يصفة الدكتور أحمد الخطيب بالجحود من الشيخ أحمد الجابر صعب من وضع الأسرة المادي واضطرت على أثرة والدتة من العمل في المنازل الأخرى. هذة أول إشارة حول مسببات النظرة الغير ايجابية التي يحملها الدكتور أحمد الخطيب اتجاة أسرة الصباح و يبدوا انها من المسببات الأولى لها.
تزايد نفوذ الأسرة
يذكر الدكتور الدكتور أحمد الخطيب انه شهد في بداياتة تزايد نفوذ أبناء الأسرة بعد فشل تجربة المجلس التشريعي بشكل لم يكن يحظوا به من قبل و تعزز هذا النفوذ بعد تصدير النفط حيث لم يعد حكام الكويت يعتمدون على التجار في تغطية تكاليف الحكم مماعزز التفرد به و التسلط  ويروي الدكتور أحمد الخطيب كيف ان الدوائر الحكومية اصبحت تدار وكأنها ملك خاص لمديريها من الأسرة الحاكمة في فترة من الفترات ويضيف ان الدوائر الحكومية  اصبحت ساحة للتنافس بين افراد الأسرة الطامعين في الحكم و تجميع المؤيدين هذا التنافس وصل في بعض الأحيان الى تكديس الأسلحة و جلب المرتزقة  استعدادا للمواجهة بين أبناء الأسرة لصالح هذا الطرف او ذاك. يقول أحمد الخطيب ان العقلاء في الكويت لا يتدخلون في الصراعات بين أجنحة الأسرة الحاكمة لأنهم في النهاية سيكتوون بنيرانها إن فعلوا. وكنتيجة لتزايد النفوذ هذا قام أحد أفراد أسرة الصباح بسلب أرض خاصة بوالدة الدكتور أحمد الخطيب ولم يتمكنوا من استرجاعها حتى اليوم.

الشيعة
كذالك يتذكر الدكتور أحمد الخطيب نقل أسر كاملة كقطيع من أغنام كما يصفهم ونقلهم الى ايران بحجة انهم ايرانيون وخطر على عروبة البلد يلقي الدكتور باللوم حول هذا التصرف على المذهب الوهابي المعادي للشيعة والمحفز للتعصب القبلي العنصري في الجزيرة مما جعل الشيعة يتخوفون من أي ايدلوجيا يتبناها الغالبية خوفا من ان يكتووا بنيرانها بحكم أنهم أقلية وهو يعني هنا تخوفهم من المد القومي.
التدخل السعودي
كما يتذكر الدكتور أحمد الخطيب مشهد رجال عراة الصدور وأشكالهم غريبة يعلقون رجل على خشبة مصلوبة وهو يلفض انفاسة الأخيرة الرجل المعلق كان محمد المنيس احد قادة الحركة الإصلاحية التي اثمرت عن المجلس التشريعي في عامي 1938 و 1939م اما الرجال غريبي الاشكال هم من بعثهم الملك عبدالعزيز لمساعدة الشيخ احمد الجابر في القضاء على تجربة المجلس التشريعي.
الدراسة
درس الدكتور أحمد الخطيب في المدرسة المباركية ليتم بعدها إرسالة الى لبنان ليكمل دراستة في الجامعة الامريكية بمساعدة الأستاذ عبداللطيف الشملان حيث درس الطب في هذة الجامعة وتخرج منها كأول طبيب كويتي في الخمسينيات ويذكر ان دراستة في هذة الجامعة أفادتة حيث ان لبنان كانت تعج بالأفكار السياسية القومية والشيوعية بكافة فصائلها من هنا اتيحت الفرصة للدكتور أحمد الخطيب في التعرف عليها.
العودة
عاد الدكتور أحمد الخطيب الى الكويت كأول طبيب كويتي و محملا بالافكار القومية و التقدمية في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح ولكن ما لبث الدكتور حتى إستقال من العمل الحكومي في الصحة على إثر مواجهة بينه وبين أخ الحاكم أدت الى عراك بينهما مما دفعه الى فتح عيادة خاصة و الإستغناء عن العمل الحكومي. هذة المواجهات بين الدكتور أحمد الخطيب وافراد من أسرة الصباح تكررت أكثر من مره في الكتاب ويذكر ان أحد الشيوخ هدد بقطع رأسة في مجلسة و أمام جمع من الناس عقابا له على نشاطة السياسي.
عبدالله السالم
على الرغم من النظرة الغير ايجابية التي يحملها الدكتور أحمد الخطيب اتجاه الشيوخ من آل الصباح الا انه نلاحظ إحتراما خاصا للشيخ عبدالله السالم  و هو حاكم الكويت من عام 1950م الى  منتصف الستينيات و في عهدة استقلت الكويت ووضع الدستور وأنتخب أول مجلس أمة. يرى الدكتور أحمد الخطيب أن عبدالله السالم وفر نوعا من الانفتاح ساهم في تنشيط الحركة السياسية و الثقافية في الكويت في فترة الخمسينيات ومع ذالك يعتقد صاحب المذكرات إن عبدالله السالم لم يسلم من الضغوطات التي كان يمارسها عليه أفراد الأسرة الحاكمة  للحد من هذا الانفتاح المضر بسلطتهم كما أن السعودية كانت تتدخل للضغط على عبدالله السالم للتراجع عن بعض السياسات المنفتحة والتي ترى فيها السعودية تفريطا في الحكم. عبدالله السالم كما يبدو من كتاب الدكتور أحمد وازن الأمور ارضاءا لعدة اطراف فاعلة في الكويت الشعب والشعور القومي من جهة والأسرة الحاكمة و الحماية البريطانية والجارة السعودية من جهة أخرى. فعبدالله السالم غضب من المناداة بالانضمام الى الوحدة العربية في مهرجان بثانوية الشويخ وأمر قوى الأمن بردع المسؤولين عن هذا المهرجان كما ان عبدالله السالم كان ينزعج من تعليق الكويتيين لصور عبدالناصر ويقول للمقربين منه الا يعلم هؤلاء اني حاكمهم لا عبدالناصر. الا ان عبدالله السالم ونتيجة لتقريبة عددا من القوميين كان اكثر انفتاحا اتجاة الافكار القومية للشباب وتجاوبا معها من بقية أفراد  الأسرة. الشيخ عبدالله السالم اصيب بوعكة صحية في احدى الجلسات الافتتاحية لمجلس الأمة اقعدتة فالفراش حتى وفاتة خلال أسابيع  من إصابتة بها  الدكتورأحمد الخطيب كان ملازما للشيخ عبدالله السالم في فترة مرضة حتى وفاتة الى جانب الشيخ سعد العبدالله السالم إبن الأمير (و ولي العهد و الأمير الوالد لاحقا) وينتقد الدكتور تصرفات آل الصباح اتجاه مرض الأمير حيث  يرى أن معظم افراد الأسرة فرحوا بمرض عبدالله السالم لأنهم كانوا يعتبرونة عقبة في سبيل استمتاعهم بالسلطة المطلقة ويذكر أحمد الخطيب ان حدث وفاة عبدالله السالم طغت علية مظاهر الفرحة لتولي صباح السالم السلطة وتحول الأمر من مناسبة للحزن تقدم فيها التعازي الى مناسبة للفرح تقدم فيها التهاني!!
المجلس التأسيسي
إستقلت الكويت سنة 1961و في سنة62 تشكل المجلس التأسيسي من الوزراء واعضاء اخرين منتخبين لوضع دستور للبلاد و نجح الدكتور أحمد الخطيب في الوصول الى المجلس التأسيسي عن طريق الانتخابات بل ونجح فالوصول الى منصب نائب رئيس في هذا المجلس. وصول أحمد الخطيب الى منصب نائب الرئيس أثار حنق الشيوخ وعملوا بكل جهدهم لكي لايمارس احمد الخطيب دوره كنائب رئيس و يذكر مثلا ان الجلسات التي لايحضرها الرئيس كانت تلغى لكي لا يتمكن الدكتور أحمد الخطيب من ترأس الجلسة!! انبثقت عن هذا المجلس عدة لجان منها لجنة الدستور المكلفة بوضع دستور للبلاد وتكونت من خمسة أعضاء من ضمنهم الشيخ سعد العبدالله لم ينجح الدكتور في الوصول لعضوية لجنة الدستور الا انه يذكر الدور السلبي الذي لعبة الشيخ سعد العبدالله لصالح الأسرة الحاكمة تقييم الدكتور للدستور الذي خرجت به اللجنة انه لابأس به كخطوة أولى على الرغم من تحفظاتة الكثيرة عليه و عرج الدكتور على مسألة الأحزاب السياسية وذكر ان الدستور وضع الباب مواربا اتجاهها لم يمنعها ولم يقرها وترك الأمر للزمن.
مجلس الأمة
دخل الدكتور أحمد الخطيب في اول انتخابات لمجلس الأمة وفاز بمقعد فيه سنة 1963م وكان على علاقة طيبة مع عبدالله السالم إستقال بعدها من مجلس الأمة بعد وفاة عبدالله السالم على إثر احتجاجا من موقف الحكومة اتجاة العمل البرلماني وتدخل الشيوخ فيه.واتى  الدكتور أحمد الخطيب على ذكر تزوير انتخابات سنة 67 من قبل السلطة الحاكمة حيث يشير الى ان السلطة الحقيقة لم تكن في يد الأمير الجديد صباح السالم الذي كان رجلا بسيطا ولكنها كانت في يد  من يصفهم بالثنائي الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله و يشير ان الحياة البرلمانية تعرضت للتعطيل على يد هذين الرجلين الى ان علقت نهائيا في السبعينات وهو ما سيأتي على ذكرة في الجزء الثاني من مذكراتة. يذكر الدكتور انه تم تزوير انتخابات 67 بشكل فاضح بتواطؤ واضح من الجماعات الدينية التي سعت لإكتساب الجماهير حيث ان الحكومة قامت بتزوير انتخابات 67 بمساعدة مستشار وزير الداخلية الكويتي وهو إخواني مصري فار من الحكم الناصري و كانت الصناديق تؤخذ الى بيت هذا الإخواني وتستبدل بصناديق أخرى وكما هو متوقع تمكنت السلطة من تدجين البرلمان  يحذر الدكتور أحمد الخطيب الجماهير من الانسياق للاحزاب الدينية لانها ستحفر قبرها بيدها ان فعلت فهذة الاحزاب لا تؤمن بالديمقراطية ولا الدستور!!
الإنجليز و الإصلاح
يرى الدكتور أحمد الخطيب ان الانجليز معارضين للإصلاح ولو أدت بعض تصرفاتهم الى الإعتقاد بعكس ذالك ويعتقد ان ضرب الحركات الإصلاحية يأتي من بريطانيا التي تدعي أول الأمر تعاطفها مع هذة الاحداث كما حدث فالكويت سنة م1938. و يتحدث أحمد الخطيب عن مجلس منتخب في دبي تم قتله من قبل الحاكم عن طريق مكيدة برضا السلطات البريطانية!!! و سعيد بن تيمور ورد فالحديث عن عداء البريطانيين للحركات الاصلاحية ويقول أحمد الخطيب  لو ان بريطانيا تؤيد الإصلاح ما أيدت هذا الرجل طبعا لم يقدم الدكتور جديدا فيما يخص الصورة النمطية للسلطان سعيد بن تيمور خصوصا عند القوميين العرب من منع للنظارت و التعليم وغير ذالك.

العمل القومي في الخليج
يتحدث الدكتور أحمد الخطيب في أخر كتابة عن مساهمة القوميين الكويتيين في العمل القومي العربي ومساعدتهم لإبناء الخليج العربي وجنوب الجزيرة حيث تم تأسيس مكتب تحرير الخليج العربي وجنوب الجزيرة سنة 1956م الذي اشترك فيه عدد كبير من مواطني هذة المنطقة. تكونت الهيئة التنفيذية لمكتب التحرير من 12 عضوا يمثلون بلدان الخليج و اليمن بشقية وكان لسلطنة مسقط ممثل و إمامة عمان ممثل و إمارات ساحل عمان ممثل في الهيئة التنفيذية لمكتب تحرير الخليج وجنوب الجزيرة. ممثل مسقط كان حسين حيدر درويش وممثل عمان محمد أمين عبدالله وكان لهذا المكتب عدة نشاطات ملموسة لدعم حركات التحرر. هذا بعض ما ورد في كتاب الدكتور #أحمد_الخطيب السياسي الكويتي المخضرم على أمل ان اتمكن من قراءة الجزء الثاني منهذة المذكرات.

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

كيف أصبحت الدول الغنية غنية؟ ولماذا تبقى الدول الفقيرة فقيرة؟؟

كتاب كيف اصبحت الدول الغنية غنية ولماذا تبقى الدول الفقيرة فقيرة للمفكر الاقتصادي النرويجي ايريك رينيرت. الكتاب حصل على جائزة ميردال بعد سنة من صدوره وهي جائزة معروفة تمنح للكتب و الدراسات المختصة في الاقتصاد و الكاتب ايريك رينيرت يسعى في كتابة هذا الى نقد الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات المالية الدولية مع مشكلة البلدان الفقيرة حيث يجادل رينيرت ان تاريخ التنمية الاقتصادية الذي مرت به الدول الغنية قد تم تجاهله لصالح نظريات لم تثبت صحتها فبعد انهيار جدار برلين وسقوط المعسكر الشرقي ظهرت نظرية نهاية التاريخ والتي تبشر بالسوق الحر في ظل العولمة. السوق الحر سيسمح بحسب منظرية اذا ما تم الاتجاه نحوه بتساوي كل دول العالم في الغنى و الرفاه  اذا ماتخصصت كل دولة في مجال اقتصادي يمكنها المنافسة فيه دوليا و هذا ما سعى رينيرت لدحضة في كتابة.
ضرورة الرجوع للتاريخ
ايريك رينيرت يرجع للتاريخ الذي يصفه انه المختبر الوحيد للعلوم الاقتصادية ويلوم المؤسسات المالية الدولية على تجاهلة فقد درج منظري نهاية التاريخ ومروجي السوق الحر على تشجيع الدول الفقيرة على التخلص من قطاعها الصناعي غير الكفؤ بحجة ان القطاعات الصناعية في الدول الفقيرة غير قادرة على المنافسة دوليا الا اذا ماتم حمايتها من قبل الدولة ضد منافسيها. حماية الدولة وتدخلها في الاقتصاد امر غير مرغوب فيه بتاتا لدى منظري السوق الحر الذي يرونه عقبه في طريق الانفتاح اللازم للدخول في عالم السوق الحر  لذا تنصح المؤسسات المالية العالمية كمنظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي عملاءها من الفقراء بالتخلي عن الحماية التي توفرها الدول النامية لصناعاتها  و التخصص في نشاط إقتصادي معين تتمكن من خلاله من منافسة الدول الاخرى وهو غالبا ما يعني ان تتخصص هذة الدول في انتاج المواد الخام سواء كانت ثروات معدنية او محاصيل زراعية  او توفير العمالة الرخيصة وبعد عشرين سنة من رواج موضة السوق الحر و أخذ العديد من الدول النامية بنصائح المؤسسات المالية الدولية اتسعت الرقعة الفاصلة بين الدول الغنية والفقيرة على عكس المبشر به من قبل. هنا يورد ايريك رينيرت تحليله لأسباب هذا الاخفاق من قبل المؤسسات المالية العالمية في رفع الفقر عن الدول الفقيرة و يذكر رينيرت ان هناك نوعين من الانتاج في علم الاقتصاد نوع ايجابي وهو الذي يزيد الدول غنى و إن كانت غير غنية بالموارد الطبيعية و نوع أخر سلبي وهو الذي يفقر دول الثروات. النوع الايجابي من الانتاج هو الانتاج ذو العوائد المتزايدة (increasing returns) وهو الناتج عن مجالات الصناعة والخدمات و النوع السلبي من الانتاج هو الانتاج ذو العوائد المتناقصة (diminishing returns) وهو الناتج عن الإعتماد على تصدير المواد الخام.  الانتاج ذو العوائد المتزايدة يعرف على انه الانتاج الذي يعمد على إعمال الابتكار لصنع بضائع بكميات اكثر و بتكلفة أقل اما الانتاج ذو العوائد المتناقصة فهو الانتاج الذي يعمد على استنزاف الثروات الطبيعية لانتاج كميات اكثر وبتكلفة أكبر و من خلال دراستة لتاريخ الدول الغنية في ايامنا هذه يجادل رينيرت ان كل هذة الدول اعتمدت على الانتاج ذو العوائد المتزايدة وان كل هذة الدول الغنية قامت بحماية صناعاتها ضد المنافسة الخارجية الى ان اصبحت قادرة على مواجهتها  وهو الأمر الذي تحرم منه الدول الفقيره اليوم بحجة ان مثل هكذا حماية تعني الابتعاد عن خيار السوق الحر الموعود. ويحذر رينيرت ان استمرار المؤسسات المالية العالمية في نهجها هذا سيسهم في جعل الدول الغنية متساوية في غناها والدول الفقيرة متساوية في فقرها وتخصصها الفقر بعد ان تنفذ منها الموارد الطبيعية التي جعلت كتخصصات في بداية الأمر و يذكر رينيرت ان هذا التساؤل الذي عنون به كتابة قديم و إجابته تكاد تكون معروفة الى ان تم نسيانها بعد سقوط جدار برلين!!  الايطالي انطونيو سيرا طرح هذا التساؤل في القرن الثالث عشر ميلادي لما البندقية التي تفتقر للموارد الطبيعية غنية!؟  بينما بقية المدن الايطالية الغنية بمواردها الطبيعية فقيرة!! والإجابة كانت ان الانشطة الاقتصادية في البندقية متنوعة وتعتمد في كثير منها على الفنون والصناعات (وبالتالي الابتكار) أي على الانشطة الاقتصادية ذات العوائد المتزايدة وهكذا الأمر في انجلترا حينما اصدر الملك في القرن ال15 قرارات بحماية صناعة الصوف الانجليزية لتتفوق على جاراتها اقتصاديا حيث انه بهذه الخطوة الحمائية أسس القاعدة لتطور القطاع الصناعي الانجليزي على المدى الطويل على عكس الاسبان الذين ما أن استعمروا الامريكيتين وانفتحت لهم خزائن الذهب تخلوا عن الصناعة واكثفوا بهذا المورد الثمين السهل وعلى المدى الطويل وبسبب افتقار اسبانيا للتصنيع لصالح الذهب والزراعة انهارت اسبانيا ولم تنهض و تلحق ببقية الدول الاوربية الا في القرن ال20 وانتهى المقام بهذا الذهب الاسباني الذي تنعمت به مؤقتا في هولندا و انجلترا والبلدان التي كانت تملك قطاعات صناعية. ويمر رينيرت على هولندا والمانيا وفرنسا ويثبت ان اقتصادياتها نهضت بسبب السياسات التي تعارضها منظمة التجارة اليوم.

امريكا نموذج تاريخي
ويشير رينيرت الى الولايات المتحدة وتطورها الاقتصادي بعد استقلالها عن انجلترا في القرن الثامن عشر حيث ارادت انجلترا للولايات المتحدة ان تبقى منبعا للمواد الخام وشجعت على استخراجها ونبذت كل خطط التصنيع وبعد ان نالت الولايات المتحدة استقلالها سعت بعض النخب فيها الى تحويل المجتمع من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي فسخر الانجليز من هذة الخطط الامريكية وحاولوا تثبيطها عن طريق (النصائح الاقتصادية) وشعار عدم القدرة على المنافسة ولعبت على وتر تضخم الدولة الحساس في امريكا الساعية الى الحرية والتي ترى في تدخلات الدولة في الاقتصاد عائق لها ولكن تيار قوي في الكونغرس الامريكي كان يقول لا تقوموا بما يقوله لكم الانجليز قوموا بما قام به الانجليز واستمر هذا الجدال في امريكا في القرن ال19 بين تدخل الدولة لتأسيس الصناعة وعدم تدخلها لصالح الزراعة التقليدية الى ان حسم الصراع في الحرب الأهلية بين الشمال الراغب في التصنيع والجنوب المكتفي بالزراعة لصالح الشمال ونهضت امريكا اقتصاديا. يقول رينيرت انه لو قدر ان انتصر الجنوبيين في تلك الحرب لأصبح حال امريكا إقتصاديا مشابه لحال المكسيك ودول امريكا الجنوبية.

أمثلة أخرى
يذكر رينيرت ان اليابان نهضت في القرن التاسع عشر بنفس الطريقة التي نهضت بها اوروبا في عصر النهضة الا وهي الإهتمام بالتصنيع والفنون فاليابان اهتمت بالتصنيع بسبب أفتقارها للموارد الطبيعية وكذالك حذت حذوها كوريا الجنوبية في النصف الثاني من القرن العشرين وكما يذكر ان استراليا لم تنخدع بنصائح المؤسسات المالية الدولية و واصلت دعمها لقطاعها الصناعي الغير كفؤ بحسب معايير السوق الحر وهي اليوم افضل حالا من الدول التي تخلت عن قطاعها الصناعي رغبة في إرضاء المؤسسات المالية الدولية. رينيرت يقول  ان الدول التي تنال إنتقادات المؤسسات المالية الدولية كالهند والصين أفضل حالا من الدول التي تحظى بالتقارير الجيدة من هذة المؤسسات.

خطة مارشال ودعم الصناعة
بعد الحرب العالمية الثانية ظهر نفس التساؤل الكبير الذي ظهر بعد الحرب العالمية الاولى كيف يتم التعامل مع الدول المهزومة؟؟  حيث ان تحميل المانيا في الحرب العالمية الاولى التعويضات الضخمة ادى الى تدمير الاقتصاد واتاح الفرصة لصعود النازية. فالنازية صعدت بعد ان ادارت ظهرها لكافة التزامات الحرب العالمية الاولى والتي لم يعد بمقدور المانيا تحملها وكثف النازيين من عملية الانتاج الصناعي لينتقموا لاحقا من اعدائهم.نتيجة لذالك ظهر في واشنطن رأيين حول كيفية التصرف مع اقتصاد اوربا المنهار بعيد الحرب العالمية الثانية رأي بقيادة هينري مورغنثاو وزير الخزانة الامريكية و الاخر بقيادة الفريد مارشال وزير الخارجية الامريكية. يقضي الرأي الذي يتزعمه مورغنثاو بمنع اوربا من اعادة بناء قطاعها الصناعي لتبقى دولا ضعيفة يسهل السيطرة عليها وبالفعل تم العمل برأي مورغنثاو لمدة سنتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية  الى ان استشعرت امريكا بقوة التهديد الشيوعي. بفضل التهديد الشيوعي استغنت امريكا عن فكرة تدمير اقتصاد دول المحور التي تدعمها خطة مورغنثاو واستبدلتها بخطة مارشال التي عملت على إعادة بناء الاقتصاد الاوربي عن طريق دعم التصنيع بقوة لمواجهة خطر الشيوعية ويشير رينيرت ان امريكا شكلت بتبنيها خطة مارشال  جدارا من الاقتصاديات القوية يحيط بعدوها الأول الاتحاد السوفيتي حيث تمكنت من خلق اقتصاد قوي في كل من المانيا الغربية وايطاليا وهي متاخمة للإتحاد السوفيتي في الغرب واليابان وكوريا في الشرق يشير رينيرت انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تعد امريكا في حاجة الى خلق اقتصادات قوية توقف الزحف الشيوعي ونتيجة لذالك حرمت دول العالم الثالق من تطوير قطاع صناعي فعال واقنعت بطريقة او بأخرى بالتخصص في تصدير المواد الخام و العمالة الرخيصة !!
يشير رينيرت الى ان دول المجاعات كأثيوبيا والسودان غالبا ما تكون اغنى في مواردها الطبيعية من عدة دول صناعية!! ولكن بسبب اعتمادها على تصدير المواد الخام وهي تمثل الانتاج ذو العوائد المتناقصة فهي تضل في حالة بؤس اقتصادي مزمن الكتاب غني بالأمثلة حول الدول التي عملت على خلق إنتاج ذو عوائد متزايدة و ازدهرت وبين دول اكتفت بغناها الطبيعي واندثرت!! يبدو ان بلداننا في الخليج ستواجهة نفس مصير اسبانيا قبل خمس قرون فقر بعد بحبوحه مزيفة أستفاد منها الغير!!
الكتاب جدا مفيد من حيث معرفة تاريخ التطور الاقتصادي لعدة بلدان و اتمنى ان يترجم للغة العربية ليستفاد من مادتة الدسمة.