الأربعاء، 13 فبراير 2013

تاريخ المحافظين

كتاب تاريخ المحافظين The Conservatives a History  لروبن هاريس حول تاريخ حزب المحافظين البريطاني منذ بداياتة الى الوقت الحاضر. الكتاب كبير الحجم وغني بالمعلومات حول تفاصيل مسيرة الحزب بانتكاساته وانتصاراته و تحزباته الداخلية وانشقاقاتة و التحولات التي طرأت عليه طوال تاريخة الممتد الى ما يزيد عن الثلاثمائة عام. مؤلف الكتاب روبن هاريس مدير قسم الابحاث بحزب المحافظين كما انه مستشار سياسي للحكومة البريطانية وعضو وحدة السياسات في فريق مارغريت ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة. كتاب تاريخ المحافظين عموما لا يتحدث عن التاريخ البريطاني او حتى تاريخ قادتة المشاهير بقدر ما يركز على مسيرة الحزب كما ذكرنا اعلاه. اهمية الكتاب تنبع في التعرف على تطور التجربة الحزبية السياسية في بريطانيا من خلال هذا الحزب العريق كما انه يسلط الضوء على ماهية ايدلوجية المحافظين.
ما معنى ان تكون محافظا
مؤلف الكتاب روبن هاريس اختار ان يورد تفسير الفيلسوف مايكل اوكشوت عن معنى ان يكون الشخص محافظا حيث يقول: ان تكون محافظا هو ان تفضل المعروف على غير المعروف والمجرب على غير المجرب والحقائق على الاساطير والواقع على الاحتماليات والمحدود على الامحدود ان تكون محافظا هو ان تفضل القريب على البعيد و الكفاية على الغزارة والمقنع على الكامل والحاضر الجيد على الطوباوية المتخيلة.
أصول الحزب
بدايات حزب المحافظين ترجع الى القرن السابع عشر بيد انه لم يظهر في ذالك الوقت بالشكل الذي عليه الحزب اليوم فقد كانوا يعرفون بالتوري (tory)  ويعرف خصومهم بالويغ (whig) و هما الحزبين البريطانيين الذين تشكلا في القرن السابع عشر نتيجة حرب اهلية بين مؤيدي الملك ومؤيدي البرلمان.  البرلمان في ذالك الوقت لم يكن يمثل عامة الشعب بقدر ما كان يمثل الاقطاعيين ورجال الدين الذين انقسموا بين مؤيد لسلطة الملك المطلقة ومعارض لها.  فالاحزاب السياسية البريطانية لم تتاسس كاحزاب ايدلوجية بقدر ما كانت نتاج تحزبات اقطاعيين متنافسين فيما بينهم لنيل رضاء الملك او البرلمان كلا حسب مصلحتة السياسية.  وهذه البدايات بذالك تشبة في بداياتها التحزبات السياسية العمانية(الهناوية والغافرية) التي ظهرت في نفس القرن في اواخر دولة اليعاربة بالتحديد  الا ان الاحزاب السياسية البريطانية بدأت في التأدلج نتيجة للمتغيرات التي طرأت على الحياة السياسية بعد الثورة الفرنسية التي أثرت على بريطانيا  بالإضافة للتغيرات التي طرأت على بنية المجتمع البريطاني في القرن 19 بسبب الثورة الصناعية التي اضعفت من سطوة الاقطاع لصالح رأس المال  بينما لم يمسس المجتمع العماني اي تغيير يذكر منذ نهايات الدولة اليعربية الى عهد النهضة مما ادى الى عدم تطور التجربة الحزبية العمانية  وتلاشيها ونبذها في وقت لاحق كعامل فرقة وشقاق في المجتمع بينما طوعت بريطانيا نتائج حربها الأهلية لتحدث جو من التنافسية السلمية لصالح استقرار النظام البريطاني. وجدت الافكار الناتجة عن الثورة الفرنسية اوعية حزبية  في بريطانيا استوعب كل حزب غالبا الافكار المضادة لما استوعبة الحزب الاخر وقف التوريون(اسلاف المحافظين) موقفا مدافعا عن سلطة الملك خلال الاضطرابات التي مرت على انجلترا بعد الحرب الاهلية بينما وقف الويغيين (اسلاف الليبراليين) موقفا مدافعا عن سلطة البرلمان في تلك الحرب الاهلية والاحداث التي لحقتها.
بيورك منظر المحافظة
ادموند بيورك يعتبر المنظر الاول للمحافظين مع انه بدء حياتة السياسية محسوبا على الويغية لا التورية. ادموند بيورك اصدر كتابين هما افكار حول مسببات التوترات الحالية عام 1770م و انعكاسات على الثورة في فرنسا عام 1790م.  بيورك يؤمن ان على الملك ان يحمي نفسة من البطانة الفاسدة بافساح المجال لمعارضة قوية لها تقوم بتقويمها في حال عرضت هذه البطانة عرش الملك لخطر  من هذا المنطلق ايد بيورك تدعيم الحزبية السياسية بنقلها من طور النزاعات المسلحة الى طور الجدل السياسي داخل البرلمان من ذالك الوقت وبريطانيا تعرف انها بلد ديمقراطي بنظام ثنائي الاحزاب في اغلب الفترات وتبعتها في ذالك امريكا. بيورك كان من اشد ناقدي الثورة الفرنسية وافكارها في كتابة انعكاسات على الثورة الفرنسية التي ادخلت البلاد في اتون حرب اهلية طاحنة  انجلترا استفادت من الحروب الأهلية التي خاضتها طوال قرون بخلق نظام سياسي يحفظ التوازن بين تناقضاتها عن طريق الاحزاب والبرلمان و اسهمت الثورة الفرنسية كعامل مهم في تثبيت التقاليد الحزبية خوفا من المصير الذي الت اليه فرنسا وانتجت مايعرف اليوم بالملكية الدستورية  في منتصف القرن التاسع عشر بدء اسم المحافظين يحل محل اسم التوريز نتيجة لتلقف التوريين لافكار ادموند بيورك المحافظة وتلقف خصومهم الويغيين لأفكار الثورة الفرنسية الليبرالية.
مر حزب المحافظين بالعديد من الانشقاقات كما مر الليبراليين (ورثة الويغيين) ايضا بعديد من الانشقاقات طوال تاريخهم بل ان المنشقين نجحوا في بعض الاحيان من تزعم الاحزاب التي عارضوها سابقا وانضموا اليها نكاية بالحزب القديم !! نذكر ان الليبرالين ورثة الويغيين كانوا المنافسين للمحافظين طوال القرن التاسع عشر ولكنهم سقطوا سقوطا مدويا بعد الحرب العالمية الاولى حيث لم يعد هناك مكان لليسار الوسطي الذي يمثلة الليبراليين مع انتشار اصداء الافكار الماركسية في مجتمعات اوربا الصناعية و  لم يعد الليبراليين الى الحياة السياسية بشكل فعال الا في الانتخابات الاخيرة التي اخلت بنظام الثنائية الحزبية السائد في بريطانيا منذ سنين حيث شكل المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون و الليبراللين الديمقراطيين بقيادة نك كليغ حكومة ائتلافة برئاسة المحافظين.
أشهر قادة الحزب
حزب المحافظين على الرغم من التصور السائد عنه انه حزب رجعي وجامد الا انه له قدم السبق في العديد من المتغيرات على السياسة البريطانية فهذا الحزب اخرج للبلاد اول رئيس وزراء من اصول يهودية و هو بنجامين دزرائيلي الذي يعتبر من زعماء الحزب بل بريطانيا التاريخيين  هذا الحزب ايضا اخرج للبلاد اول امراءة تتولى منصب رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا وهي مارغريت ثاتشر المراءة الحديدية والتي شكلت مع ريغن المحافظ الامريكي ثنائيا اثر تأثيرا كبيرا على مجريات الحرب الباردة لصالح بلديهما  وهو ايضا حزب تشرتشل قائد البريطانيين اثناء الحرب العالمية الاولى كما انه حزب انتوني ايدن الذي شن حرب 56 على مصر ومني فيها بصفعة مذلة من الامريكان. و حزب المحافظين هو الذي كان على رأس السلطة عندما قررت بريطانيا ان تتدخل عسكريا لصالح السلطان سعيد بن تيمور ضد الإمامة والسعودية من خلفها  وقد حدث هذا اثناء حكومة المحافظ هارولد ماكميلن التي خلفت حكومة انتوني ايدن في خمسينيات القرن المنصرم. المحافظين ايضا كانوا على رأس السلطة بقيادة ادورد هيث في الاربع السنين الاولى من تولي جلالة السلطان قابوس الحكم ومجابهتة للثورة فالجنوب. التاريخ البريطاني شديد الغزارة حري بكل من ينادي بالملكية الدستورية ان يستفيد منه بصفتها النموذج الاشهر والاقدم لهذا النوع من الملكيات ومن غير السليم ان يستنسخ البعض المحصلات التي توصلت لها الشعوب الاخرى دون الاهتمام بالمسببات التي ادت اليها وهي أهم و أفيد.  للمعلومة بريطانيا اقدم ملكية دستورية لا يوجد لديها دستور مكتوب ناهيك عن ان يكون الشعب البريطاني قد استفتي حولة !!! فديمقراطية بريطانيا رعاها واشرف عليها الحكماء لا الغوغاء لذا وقفت الدولة البريطانية صامدة ضد كل رياح التغيير.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق