السبت، 16 فبراير 2013

بطل بلاد فارس, محمد مصدق وقصة الإنقلاب البريطاني

كتاب بطل بلاد فارس, محمد مصدق والانقلاب البريطاني عن رئيس وزراء ايران الاسبق الذي ارتبط اسمه بتأميم النفط الايراني في خمسينيات القرن الماضي. الكاتب هو الصحفي البريطاني كريستوفر دي بيلاغيو خريج كامبريدج مهتم بالشؤون الايرانية واقام في طهران لمدة احدى عشر سنة وهو متزوج من ايرانية من اسرة متعاطفة مع مصدق وترى ان مصدق كان يمثل حلما جميلا للايرانيين حوله الغربيين الى كابوس. الكتاب يبين وبوضوح كيف يمكن للقوى الكبرى ان تتدخل في افساد الديمقراطية وتحطيمها اذا ما هددت الاخيرة مصالحها وهذا ماحدث لمصدق. يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة عشر فصل وخاتمة.
بدايات مصدق
يذكر الكاتب في الفصل الاول مولد مصدق عام 1882م ونبذة حول اوضاع البلاد في تلك الفترة. محمد مصدق ولد لأسرة ارستقراطية قريبة (من طرف والدتة) لأسرة القاجار الحاكمة في ايران في تلك الفترة وكان والدة احد موظفي البلاط القاجاري و تلقى مصدق تعليمة المبدئي في ايران وعمل لفترة بسيطة في مالية الحكومة الايرانية في العقد الاول من القرن العشرين الى ان سافر الى اوربا بعد ذالك ليدرس القانون. عرف عن مصدق انه من اشد المتحمسين للحركة الدستورية (المشروطية) التي اجتاحت البلاد في العقد الاول من القرن العشرين الحركة الدستورية كانت نتاجا لتأثر بلاد فارس بنفس الحركات في تركيا العثمانية وتمخضت عن ولادة اول برلمان في التاريخ الايراني في عام 1906م هذا البرلمان سيقدر له ان يلعب دورا مهما في العشرين سنة اللاحقه لتأسيسة وهي سنين مليئة بالاحداث اسفرت في نهايتها عن تتويج رضا بهلوي شاها لايران وإنهاء حكم القاجار الذين حكموا ايران لمدة تزيد عن القرن (من الجدير بالذكر ان السيد سعيد بن سلطان كان متزوجا من أميرتين من هذة الأسرة كلتاهن بنات عم لوالد ناصر الدين شاه الذي كان يحكم ايران وقت ولادة مصدق). مصدق عمل بعد انتهائة من دراسة القانون في اوربا وكيلا للمالية واسهم في تطوير نظام المالية القديم وادخل عليه نظم المحاسبة الحديثة كما انه عمل لفترة محافظا لاحد المقاطعات المهمة وعرف فيها بنزاهتة ليدخل بعدها البرلمان في الفترة التي سعى رضا بهلوي لعرش ايران. رضا بهلوي تمكن من السيطرة على حكم البلاد من خلال منصبة كوزير دفاع ورئيس للوزراء بعد ذالك في ظل غياب الشاه القاجاري الدائم محمد علي شاه قاجار. رضا بهلوي كان معجبا بنموذج مصطفى كمال اتاتورك في تركيا وقيل انه سعى لإعلان الجمهورية لولا معارضة الأوساط الدينية لهذا الأمر هذة القوى الدينية رضت برضا بهلوي شاها على ايران حماية لبلاد فارس من الافكار الكافرة كالجمهورية والديمقراطية وغيرها!! اعلن رضا بهلوي شاها على ايران عام 1926م واعتزل مصدق الحياة السياسية التي اتسمت بالديكتاتورية في عهد رضا بهلوي 1926-1941م.
العودة الى عالم السياسة
في عام 1941 اجتاح الانجليز والروس ايران وعزلوا الشاه رضا بهلوي عن العرش خوفا من تعاطف الاخير مع الالمان اثناء الحرب تم تنصيب ابنه محمد رضا بهلوي شاها لأيران واستعادت البلاد بعضا من الديمقراطية التي اجهضت اثناء فترة حكم والدة رضا بهلوي و في فترة الاربعينات رجع مصدق للمشهد السياسي الايراني بعد ضغوط من الوطنيين الذين اعجبوا بسيرة مصدق النزيهة وتاريخه الوطني فالوطنيين الايرانيين تحمسوا في ان يحل مصدق رئيسا للوزراء بدلا من قوام السلطنة (قريب مصدق) رئيس الوزراء الغير محبوب شعبيا و في الاربعينات تم فتح ملفات الاتفاقيات الاقتصادية بين ايران والغرب في عهد الشاه السابق رضا بهلوي وكان ملف شركة النفط من اهمها شركة النفط الانغلو-ايرانيان حصلت على امتياز استخراج النفط من عهد القاجار وقامت بريطانيا بشراء حصة كبيرة من اسهمها حيث استحوذت بريطانيا على الشركة بطلب من وزير الدفاع البريطاني آنذاك ونستون تشرتشل الذي اعتبر النفط أهم مسائل الأمن القومي البريطاني فالبحرية البريطانية كانت في سبيل الأعتماد على النفط بدلا من الفحم لذا ارادت السيطرة على اكبر قدر ممكن من النفط و الحؤول دون وقوع هذة الثروة في يد اعدائة.  وقد تم تمديد فترة امتياز الشركة في عهد رضا بهلوي لمدة ثلاثين سنة لتنتهي عام 1993 بدلا من عام 1961م كما كان مرسوما له في الاتفاقية الاولى. تكونت لدى الايرانيين فكرة نمطية ان البؤس الاقتصادي الذي تعيشة بلادهم سببه الامتيازات الاقتصادية التي تمنح للغربيين وكان هذا نتاج بعض الاتفاقيات التي منحت للاجانب حق احتكار بعض السلع مقابل نسبة ضئيلة يتعهد الغربي بدفعها للخزينة الفارسية بيد ان أغلب هذه الاتفاقيات منحت في عهد القاجاريين اي قبل تولي رضا شاه للحكم بما فيها الاتفاقية مع شركة النفط الانغلوايرانية من هنا ونتيجة لهذة الصورة النمطية حول الاتفاقيات الاقتصادية مع الغربيين بحث الايرانيين عن سياسي نزيه يحمل لواء استرجاع الثروات و جدوا ضالتهم في مصدق الدستوري صاحب السمعة النزيهة. المشهد السياسي الايراني انقسم في تلك الفترة (الاربعينات) الى ملكيين موالين للشاه وكانوا في تلك الفترة في اضعف حالاتهم وشيوعيين تحت مظلة الحزب الشيوعي الايراني المعروف تودة ولهم قوة لا بأس بها وهم بالطبع محسوبين على الجار الشمالي الاتحاد السوفيتي والدستوريين او الوطنيين وهم مثقفين يغلب عليهم الطابع الليبرالي وكان مصدق منهم ولكنهم اضعف جماهيريا من المتدينيين والشيوعيين والمتدينيين و يتزعمهم في ذالك الوقت آية الله كاشاني وهم يشكلون اقوى تيار في المشهد السياسي الايراني في الاربعينات وفي اواخر الاربعينات تنامى الضغط الشعبي الساعي لتعديل اتفاقيات امتيازات النفط نتج عن هذا الضغط تشكيل الجبهة القومية بقيادة مصدق الهدف المشترك الذي جمع كل من انضم للجبهة القومية على اختلاف توجهاتهم هو تأميم النفط الايراني كمسألة كرامة وطنية و شكلت الجبهة القومية أغلبية معارضة في البرلمان الايراني تضغط بشكل كبير على رئيس الوزراء حاج علي رزم ارا لتأميم النفط والشاه وقع بين سندان الضغط الشعبي لتأميم النفط و مطرقة البريطانيين الذين ازاحوا والدة عن عرش الطاؤوس (مما سبب له حالة مشتركة من الخوف والكراهية للبريطانيين ستستمر الى ان تطيح به الثورة الإسلامية). بينما راقب الامريكيين الموقف بتوجس خوفا من ان تحتضن الجبهة القومية الايرانية من قبل السوفييت ويتكرر سيناريو الحرب الكورية مجددا. اغتيل رئيس الوزراء الايراني من قبل متطرفين متعاطفين مع الجبهة القومية وقيل ان لآية الله كاشاني ضلع في موضوع اغتيالة.
التأميم
لم يملك الشاه وهو في اضعف حالاته الا ان يعين زعيم الجبهة القومية محمد مصدق رئيسا للوزراء بعد اغتيال رئيس وزرائة حاج علي رزم ارا و بعد ايام قليلة من تولي مصدق رئاسة الوزراء قام بتأميم شركة النفط الانغلو ايرانية وتغيير اسم الشركة الى شركة النفط الوطنية وعرض مصدق على الشركاء البريطانيين السابقين تعويضات عن قيمة معداتهم التي اصبحت ملكا للشركة الوطنية الجديدة. اهتز العالم لخبر تأميم النفط الايراني وصدمت بريطانيا المنهكة من الحرب والفاقدة لامبراطوريتها ومركزها الدولي واعتبرتها اهانة كبرى و رفضت هذا التصرف ولم تعترف به وسيطر الايرانيين على منشأت النفط وتدخل الامريكان لتهدئة الوضع خوفا من استغلال الشيوعيين للوضع. لم يتمكن الايرانيين من بيع نفطهم و واجهوا صعوبات في إدارة المنشأت النفطية بعد خروج الخبراء الاجانب غير انهم تمكنوا من تغطية الاستهلاك المحلي. قرار التأميم نشر جو من العزة والكرامة الوطنية الايرانية لم يحظى بها الايرانيين منذ زمن بعيد واضحى مصدق رمزا لهذة الكرامة بيد ان هذا الجو الغامر بالفرحة الشعبية اصطدم بتناقص موارد الدولة نتيجة توقف تصدير النفط مما هيئ بيئة مناسبة للتدخلات الخارجية ستساهم فيما بعد بالقضاء على هذا الحلم.  زار مصدق الولايات المتحدة والتقى برئيسها ايزنهاور الذي حاول ان يقنعه بالتفاوض مع الانجليز ورفض مصدق قائلا انه لايملك والقرار الأن بيد الشعب الأيراني و احتفت الصحافة الامريكية بالرجل الذي وجه صفعه للامبراطورية البريطانية وكانت زيارتة لامريكا حدث اعلامي كبير و مع مرور الايام دخلت البلاد في ازمة مالية نتيجة ايقاف تصدير النفط وبدأت بعض الاصوات في البرلمان الايراني تنادي بإعادة النظر في موضوع التأميم هذة الاصوات المعارضة كان بعضها قد قبض ثمن موقفه من بريطانيا وشركاتها بينما ظهرت الاخرى للضرر الذي الحقه القرار بها اوخلقت الأزمة جوا من عدم الثقة بين اعضاء الجبهة القومية انفسهم وتم تبادل الاتهامات بالعمالة من جهة وسوء الادارة من جهة اخرى و تخلى العديد من مؤسسي الجبهة وقياديها عن مصدق وانتقلوا الى المعسكر المعادي له تدفعهم الى ذالك اختلافاتهم الايدلوجية ودخلت البلاد نتيجة لذالك في مرحلة من الاضطرابات بين القوى السياسية مؤججه من قبل بريطانيا وشركاتها بينما راقبت امريكا الوضع خوفا من الشيوعيين. مصدق حاول ان يكسب الامريكان الى جانبة وقد نجح اثناء زيارته في تكوين انطباع جيد حوله عندهم وطلب منهم مساعدة تغطي العجز المالي الذي تعانية حكومتهم نتيجة وقف تصدير النفط. قامت بريطانيا بتهويل خطر الشيوعيين في ايران لدى الامريكان واقنعتهم ان مصدق واقع تحت تأثيرهم وافتعلت احداثا تؤيد مايقولون حيث قامت بريطانيا بتشكيك المتدينين من نوايا حلفائهم الشيوعيين واقنعتهم بريطانيا ان مصدق اقرب للشيوعيين منه للمتدينيين وتاريخ مصدق الليبرالي سهل من عملية تنفير المتدينيين منه وتحفظوا على تأييدهم المطلق له واستمرت مواجهاتهم مع الشيوعيين في خضم هذة الاحداث اقنع البريطانيين الشاه انه بامكانة عزل مصدق الان بعد تفكك الجبهة القومية من الداخل وتناقص قوتها و في يوليو من عام 1952م (نفس الشهر الذي قام فيه الضباط الاحرار بحركتهم في مصر)عزل الشاه مصدق من رئاسة الوزراء وعين محله قريبة قوام السلطنة الذي لا يحظى بأي شعبية. مباشرة اعلن قوام السلطنة منع المظاهرات وهدد بقمعها وكان نتيجة ذالك انتفاضة عارمة اطاحت بحكومتة في اسبوع واحد واضطر الشاه عندها ان يطلب من مصدق تشكيل الحكومة  مرة اخرى ورجع مصدق رئيسا للوزراء اقوى من ذي قبل وتعهد بمواصلة النضال.
الإنقلاب و النهاية
مصدق الديمقراطي الدستوري العائد بقوة الى منصب رئيس الوزراء بفضل الضغط الجماهيري طلب من البرلمان ان يحكم لمدة ستة اشهر منفردا دون الرجوع للبرلمان هذا الطلب اثار ضجة كبيرة البعض اعتبر الطلب رغبة في التسلط والتوجة للديكتاتورية والبعض الاخر اعتبرها ضرورة للخروج بالبلاد من الازمة التي المت بها غير ان صورة مصدق كرجل ليبرالي ديمقراطي تضررت واقتنع البريطانيين الامريكان ان مصدق ممكن ان يقع بسهولة في يد الشيوعيين عمل الامريكان سرا على تأجيج مظاهرات شعبية مؤيدة للشاة ومعادية للجبهة وبعثت في سبيل ذالك عملاء من السي اي ايه محملين بحقائب مليئة بالأموال و كانت نتيجة هذة المجهودات المخابراتية انقلاب عسكري اكتسب تأييد شعبي وديني اعاد زمام السلطة الى الشاه وقائد الانقلاب الجنرال زاهدي. وقع مصدق في يد الانقلابيين بعد اطلاق نار كثيف على منزلة وحكم على مصدق بالسجن واغتيل وشرد وسجن اعوانة الصامدون معه لنهاية المطاف وانتهت الزوبعة التي شغلت العالم لمدة 3 سنوات. تسلم الشاه السلطة وحكم البلاد بطريقة ديكتاتورية الى ان قامت عليه الثورة الاسلامية سنة 1979 بقيادة الخميني و توصل الشاه الى اتفاق شراكة بين شركة النفط الايرانية والشركات الغربية الذي انهى عمليا قرار التأميم. توفي مصدق بعد ثلاث سنوات من السجن وسنين من الاقامة الجبرية في منزلة سنة 1967م و تشير الوثائق التي ظهرت في الاتحاد السوفيتي مؤخرا ان حزب تودة الشيوعي كان اضعف من ان يسيطر على ايران وبذالك تنتفي حجة التخوف من سقوط ايران في الشيوعيين عن طريق حكم مصدق. الثورة الاسلامية لم ترغب في تمجيد مصدق الليبرالي والخميني عندما سئل عن النفط حال عودتة من الخارج قال مايهمنا الاسلام لا النفط  وفي هذة إشارة الى ان ماقام به مصدق لم يكن يستحق التقدير لانه لم ينبع من ايمان اسلامي وقد عادت الثورة الاسلامية مهدي بازرجان احد اعوان مصدق الذي شارك في انهاء حكم الشاه ولكنه اختلف مع الخميني بعد ذالك. وبذالك انتهت اسطورة مصدق بشكل مأساوي لتثبت للعقلاء انه لا مكان للنوايا الطيبة والشعارات في السياسية فمصدق وقع ضحية شعاراتة التي رفعها والتي اصبحت ثقلا علية حيث انه كان من الممكن ان يقوم مصدق بإدارة الأزمة بشكل أفضل لو لم تكن الجماهير الهائجة الطرف الأهم في المعادلة او انه تخلى عن بعض وعودة في سبيل تحقيق البعض الأخر. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق